الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 472 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب ( 101 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وما عاقبنا أهل هذه القرى التي اقتصصنا نبأها عليك ، يا محمد ، بغير استحقاق منهم عقوبتنا ، فنكون بذلك قد وضعنا عقوبتنا هم في غير موضعها ( ولكن ظلموا أنفسهم ) ، يقول : ولكنهم أوجبوا لأنفسهم بمعصيتهم الله وكفرهم به ، عقوبته وعذابه ، فأحلوا بها ما لم يكن لهم أن يحلوه بها ، وأوجبوا لها ما لم يكن لهم أن يوجبوه لها ( فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء ) ، يقول : فما دفعت عنهم آلهتهم التي يدعونها من دون الله ، ويدعونها أربابا من عقاب الله وعذابه إذا أحله بهم ربهم من شيء ، ولا ردت عنهم شيئا منه ( لما جاء أمر ربك ) ، يا محمد ، يقول : لما جاء قضاء ربك بعذابهم ، فحق عليهم عقابه ، ونزل بهم سخطه ( وما زادوهم غير تتبيب ) ، يقول : وما زادتهم آلهتهم عند مجيء أمر ربك هؤلاء المشركين بعقاب الله غير تخسير وتدمير وإهلاك .

يقال منه : "تببته أتببه تتبيبا" ، ومنه قولهم للرجل : "تبا لك" ، قال جرير :


عرادة من بقية قوم لوط ألا تبا لما فعلوا تبابا

[ ص: 473 ]

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

18553 - حدثني المثنى قال ، حدثنا سعيد بن سلام أبو الحسن البصري قال ، حدثنا سفيان ، عن نسير بن ذعلوق ، عن ابن عمر في قوله : ( وما زادوهم غير تتبيب ) ، قال : غير تخسير .

18554 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( غير تتبيب ) ، قال : تخسير .

18555 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

18556 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( غير تتبيب ) ، يقول : غير تخسير .

18557 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( غير تتبيب ) ، قال : غير تخسير . [ ص: 474 ]

قال أبو جعفر : وهذا الخبر من الله تعالى ذكره ، وإن كان خبرا عمن مضى من الأمم قبلنا ، فإنه وعيد من الله جل ثناؤه لنا أيتها الأمة ، أنا إن سلكنا سبيل الأمم قبلنا في الخلاف عليه وعلى رسوله ، سلك بنا سبيلهم في العقوبة وإعلام منه لنا أنه لا يظلم أحدا من خلقه ، وأن العباد هم الذين يظلمون أنفسهم ، كما : -

18558 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد قال ، اعتذر يعني ربنا جل ثناؤه إلى خلقه فقال : ( وما ظلمناهم ) ، مما ذكرنا لك من عذاب من عذبنا من الأمم ، ( ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم ) ، حتى بلغ : ( وما زادوهم غير تتبيب ) ، قال : ما زادهم الذين كانوا يعبدونهم غير تتبيب .

التالي السابق


الخدمات العلمية