الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في الاستخارة

                                                                      1538 حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي وعبد الرحمن بن مقاتل خال القعنبي ومحمد بن عيسى المعنى واحد قالوا حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموال حدثني محمد بن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن يقول لنا إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة وليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر يسميه بعينه الذي يريد خير لي في ديني ومعاشي ومعادي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي وبارك لي فيه اللهم وإن كنت تعلمه شرا لي مثل الأول فاصرفني عنه واصرفه عني واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به أو قال في عاجل أمري وآجله قال ابن مسلمة وابن عيسى عن محمد بن المنكدر عن جابر [ ص: 291 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 291 ] 362 - باب الاستخارة ( يعلمنا الاستخارة ) : أي طلب تيسر الخير في الأمرين من الفعل أو الترك من الخير وهو ضد الشر في الأمور التي نريد الإقدام عليها مباحة كانت أو عبادة لكن بالنسبة إلى إيقاع العبادة في وقتها وكيفيتها لا بالنسبة إلى أصل فعلها كما جاء في رواية البخاري ( كما يعلمنا السورة من القرآن ) : وهذا يدل على شدة الاعتناء بهذا الدعاء ( يقول ) : بدل أو حال ( إذا هم ) : أي قصد ( أحدكم بالأمر ) : أي من نكاح أو سفر أو غيرهما مما يريد فعله أو تركه . قال ابن أبي جمرة : الوارد على القلب على مراتب ؛ الهمة ثم اللمة ثم الخطرة ثم النية ثم الإرادة ثم العزيمة ، فالثلاثة الأول لا يؤاخذ بها بخلاف الثلاث الأخيرة فقوله إذا هم يشير إلى أنه أول ما يرد على القلب فيستخير فيظهر له ببركة الصلاة والدعاء ما هو الخير بخلاف ما إذا تمكن الأمر عنده وقويت عزيمته فيه فإنه يصير إليه ميل وحب فيخشى أن يخفى عليه وجه الأرشدية لغلبة ميله إليه ، قال ويحتمل أن يكون المراد بالهمة العزيمة لأن الخواطر لا تثبت فلا يستخير إلا على ما يقصد التصميم إلى فعله وإلا لو استخار في كل خاطر لاستخار فيما لا يعبأ به فتضيع عليه أوقاته . ووقع في حديث ابن مسعود بلفظ " إذا أراد أحدكم أمرا " رواه الطبراني وصححه الحاكم ( فليركع ) : أي ليصل أمر ندب ( ركعتين ) : بنية الاستخارة وهما أقل ما يحصل به المقصود يقرأ في الأولى الكافرون وفي الثانية الإخلاص ( من غير الفريضة ) : بيان للأكمل ونظيره تحية المسجد وشكر الوضوء .

                                                                      قال ميرك : فيه إشارة إلى أنه لا تجزئ الفريضة ، وما عين وقتا فتجوز في جميع الأوقات ، وإليه ذهب جمع والأكثرون على أنها في غير الأوقات المكروهة ( وليقل ) : أي بعد الصلاة ( اللهم إني أستخيرك ) : أي أطلب أصلح الأمرين ( بعلمك ) : أي بسبب علمك ، والمعنى أطلب منك أن تشرح صدري لخير الأمرين بسبب [ ص: 292 ] علمك بكيفيات الأمور كلها . قال الطيبي : الباء فيه وفي قوله ( وأستقدرك بقدرتك ) : إما للاستعانة كما في قوله تعالى بسم الله مجراها ومرساها أي أطلب خيرك مستعينا بعلمك فإني لا أعلم فيم خيرك ، وأطلب منك القدرة فإنه لا حول ولا قوة إلا بك ، وإما للاستعطاف ، أي بحق علمك الشامل وقدرتك الكاملة ( وأسألك من فضلك العظيم ) : أي تعيين الخير وتبيينه ، وإعطاء القدرة لي عليه ( فإنك تقدر ) : بالقدرة الكاملة على كل شيء ممكن تعلقت به إرادتك ( ولا أقدر ) : على شيء إلا بقدرتك وحولك وقوتك ( وتعلم ) : بالعلم المحيط بجميع الأشياء خيرها وشرها ( ولا أعلم ) : شيئا منها إلا بإعلامك وإلهامك ( اللهم فإن كنت تعلم ) : أي إن كان في علمك ( أن هذا الأمر ) : أي الذي يريده ( يسميه ) : أي يسمي ذلك الأمر وينطق بحاجته ويتكلم بمراده ( بعينه ) : أي بعين ذلك الأمر الذي يريد به المستخير . وهذه الجملة صفة قوله ( هذا الأمر ) .

                                                                      وقوله يسميه بعينه جملة مستأنفة ( خير لي ) : أي الأمر الذي عزمت عليه أصلح ( في ديني ) : أي فيما يتعلق بديني أولا وآخرا ( ومعاشي ) : في الصحاح : العيش الحياة وقد عاش الرجل معاشا ومعيشا وكل واحد منهما يصلح أن يكون مصدرا وأن يكون اسما ؛ مثل : معاب ومعيب .

                                                                      ولفظ الطبراني في الأوسط من حديث ابن مسعود " في ديني وفي دنياي " وعنده في الكبير عن أبي أيوب " في دنياي وآخرتي " ( ومعادي ) : أي ما يعود إليه يوم القيامة وهو إما مصدر أو ظرف ( وعاقبة أمري ) : الظاهر أنه بدل من قوله ديني ( فاقدره ) : بضم الدال وبكسر ( لي ) : أي اجعله مقدورا لي أو هيئه وأنجزه لي .

                                                                      قال في النهاية : القدر عبارة عما قضاه الله وحكم به من الأمر وهو مصدر قدر يقدر قدرا ، وقد تسكن داله ومنه ليلة القدر التي تقدر فيها الأرزاق وتقضى ، ومنه حديث الاستخارة : فاقدره لي قال ميرك : روي بضم الدال وكسرها ومعناه أدخله تحت قدرتي ويكون قوله ( ويسره لي ) : طلب التيسير بعد التقرير ، وقيل المراد من التقدير التيسير فيكون ويسره عطفت تفسيريا ( وبارك لي فيه ) : أي أكثر الخير والبركة فيما أقدرتني عليه ويسرته لي ( مثل الأول ) : أي يقول ما قال في الأول من قوله في ديني ومعاشي ومعادي وعاقبة أمري ( فاصرفني عنه ) : أي اصرف [ ص: 293 ] خاطري عنه حتى لا يكون سبب اشتغال البال ( واصرفه عني ) : أي لا تقدرني عليه ( واقدر لي الخير ) : أي يسره علي واجعله مقدورا لفعلي ( حيث كان ) : أي الخير من زمان أو مكان .

                                                                      وفي رواية النسائي " حيث كنت " وفي رواية البزار " وإن كان غير ذلك خيرا فوفقني للخير حيث كان " وفي رواية ابن حبان " وإن كان غير ذلك خيرا لي فاقدر لي الخير حيثما كان " وفي رواية له " أينما كان لا حول ولا قوة إلا بالله " ( ثم رضني ) : من الترضية وهو جعل الشخص راضيا وأرضيت ورضيت بالتشديد بمعنى ( به ) : أي بالخير ، وفي رواية النسائي " بقضائك " قال ابن الملك : أي اجعلني راضيا بخيرك المقدور لأنه ربما قدر له ما هو خير له فرآه شرا ( أو قال في عاجل أمري وآجله ) : قال في المرقاة : الظاهر أنه بدل من قوله في ديني إلخ . وقال الجزري في مفتاح الحصن أو في الموضعين للتخيير أي أنت مخير إن شئت قلت " عاجل أمري وآجله " أو قلت " معاشي وعاقبة أمري " قال الطيبي : الظاهر أنه شك في أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في عاقبة أمري أو قال : عاجل أمري وآجله ، وإليه ذهب القوم حيث قالوا هي على أربعة أقسام : خير في دينه دون دنياه ، وخير في دنياه فقط ، وخير في العاجل دون الآجل وبالعكس وهو أولى والجمع أفضل ، ويحتمل أن يكون الشك في أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال بدل الألفاظ الثلاثة في عاجل أمري وآجله ، ولفظ في المعادة في قوله في عاجل أمري ربما يؤكد هذا ، وعاجل الأمر يشمل الديني والدنيوي ، والآجل يشملهما والعاقبة انتهى قال المنذري : وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه .

                                                                      363 - باب في الاستعاذة



                                                                      الخدمات العلمية