الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
وسئل عن رجل إذا صلى يشوش على الصفوف الذي حواليه بالجهر بالنية وأنكروا عليه مرة ولم يرجع وقال له إنسان : هذا الذي تفعله ما هو [ ص: 236 ] من دين الله وأنت مخالف فيه السنة . فقال : هذا دين الله الذي بعث به رسله ويجب على كل مسلم أن يفعل هذا وكذلك nindex.php?page=treesubj&link=1533تلاوة القرآن يجهر بها خلف الإمام . فهل هكذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أو أحد من الصحابة ؟ أو أحد من الأئمة الأربعة ؟ أو من علماء المسلمين فإذا كان لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والعلماء يعملون هذا في الصلاة فماذا يجب على من ينسب هذا إليهم وهو يعمله ؟ فهل يحل للمسلم أن يعينه بكلمة واحدة إذا عمل هذا ونسبه إلى أنه من الدين ويقول للمنكرين عليه كل يعمل في دينه ما يشتهي ؟ وإنكاركم علي جهل وهل هم مصيبون في ذلك أم لا ؟ .
فأجاب : الحمد لله nindex.php?page=treesubj&link=28282الجهر بلفظ النية ليس مشروعا عند أحد من علماء المسلمين ولا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فعله أحد من خلفائه وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها ومن ادعى أن ذلك دين الله وأنه واجب فإنه يجب تعريفه الشريعة واستتابته من هذا القول فإن أصر على ذلك قتل بل النية الواجبة في العبادات كالوضوء والغسل والصلاة والصيام والزكاة وغير ذلك محلها القلب باتفاق أئمة المسلمين .
و " النية " هي القصد والإرادة والقصد والإرادة محلهما القلب دون اللسان باتفاق العقلاء . فلو نوى بقلبه صحت نيته عند الأئمة الأربعة [ ص: 237 ] وسائر أئمة المسلمين من الأولين والآخرين وليس في ذلك خلاف عند من يقتدى به ويفتى بقوله ولكن nindex.php?page=treesubj&link=28282بعض المتأخرين من أتباع الأئمة زعم أن اللفظ بالنية واجب ولم يقل إن الجهر بها واجب ومع هذا فهذا القول خطأ صريح مخالف لإجماع المسلمين ولما علم بالاضطرار من دين الإسلام عند من يعلم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه وكيف كان يصلي الصحابة والتابعون فإن كل من يعلم ذلك يعلم أنهم لم يكونوا يتلفظون بالنية ولا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ولا علمه لأحد من الصحابة بل قد ثبت في الصحيحين وغيرهما أنه قال للأعرابي المسيء في صلاته { nindex.php?page=hadith&LINKID=10421إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن } . وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=598929مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم } وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها { nindex.php?page=hadith&LINKID=69021أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين } . وقد ثبت بالنقل المتواتر وإجماع المسلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة كانوا يفتتحون الصلاة بالتكبير .
ولم ينقل مسلم لا عن النبي صلى الله عليه وسلم . ولا عن أحد من الصحابة أنه قد تلفظ قبل التكبير بلفظ النية لا سرا ولا جهرا ولا أنه أمر بذلك . ومن المعلوم أن الهمم والدواعي متوفرة على نقل [ ص: 238 ] ذلك لو كان ذلك وأنه يمتنع على أهل التواتر عادة وشرعا كتمان نقل ذلك فإذا لم ينقله أحد علم قطعا أنه لم يكن .
ولهذا nindex.php?page=treesubj&link=28282يتنازع الفقهاء المتأخرون في اللفظ بالنية : هل هو مستحب مع النية التي في القلب ؟ فاستحبه طائفة من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد . قالوا لأنه أوكد وأتم تحقيقا للنية ولم يستحبه طائفة من أصحاب مالك وأحمد وغيرهما وهو المنصوص عن أحمد وغيره بل رأوا أنه بدعة مكروهة .
قالوا : لو أنه كان مستحبا لفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لأمر به ; فإنه صلى الله عليه وسلم قد بين كل ما يقرب إلى الله لا سيما الصلاة التي لا تؤخذ صفتها إلا عنه وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=20870صلوا كما رأيتموني أصلي } .
قال هؤلاء فزيادة هذا وأمثاله في صفة الصلاة بمنزلة سائر الزيادات المحدثة في العبادات كمن زاد في العيدين الأذان والإقامة ومن زاد في السعي صلاة ركعتين على المروة وأمثال ذلك .
وبالجملة : فلا بد من النية في القلب بلا نزاع . وأما التلفظ بها سرا فهل يكره أو يستحب ؟ فيه نزاع بين المتأخرين .
وأما الجهر بها فهو مكروه منهي عنه غير مشروع باتفاق المسلمين وكذلك تكريرها أشد وأشد .
وسواء في ذلك الإمام والمأموم والمنفرد فكل هؤلاء لا يشرع لأحد منهم أن يجهر بلفظ النية ولا يكررها باتفاق المسلمين ; بل ينهون عن ذلك بل جهر المنفرد بالقراءة إذا كان فيه أذى لغيره لم يشرع كما خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يصلون فقال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=9112أيها الناس كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة } .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=1533المأموم فالسنة له المخافتة باتفاق المسلمين لكن إذا جهر أحيانا [ ص: 240 ] بشيء من الذكر فلا بأس كالإمام إذا أسمعهم أحيانا الآية في صلاة السر فقد ثبت في الصحيح عن أبي قتادة { nindex.php?page=hadith&LINKID=68908أنه أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في صلاة الظهر والعصر يسمعهم الآية أحيانا } وثبت في الصحيح أن من الصحابة المأمومين من جهر بدعاء حين افتتاح الصلاة وعند رفع رأسه من الركوع ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ومن أصر على فعل شيء من البدع وتحسينها فإنه ينبغي أن يعزر تعزيرا يردعه وأمثاله عن مثل ذلك .
ومن نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الباطل خطأ فإنه يعرف فإن لم ينته عوقب ولا يحل لأحد أن يتكلم في الدين بلا علم ولا يعين من تكلم في الدين بلا علم أو أدخل في الدين ما ليس منه .