الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ؛ أي: إلا قدر طاقتها؛ لا يكلفها فرضا من فروضه؛ من صوم؛ أو صلاة؛ أو صدقة؛ أو غير ذلك؛ إلا بمقدار طاقتها؛ ومعنى: لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ؛ أي: لا يؤاخذ أحدا بذنب غيره؛ كما قال - جل وعز -: ولا تزر وازرة وزر أخرى [ ص: 370 ] ومعنى: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ؛ قيل فيه قولان: قال بعضهم: إنه على ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " عفي لهذه الأمة عن نسيانها؛ وما حدثت به أنفسها " ؛ وقيل: " إن نسينا أو أخطأنا " ؛ أي: إن تركنا؛ و " أو أخطأنا " ؛ أي: كسبنا خطيئة؛ والله أعلم؛ إلا أن هذا الدعاء أخبر الله به عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ والمؤمنين؛ وجعله في كتابه ليكون دعاء من يأتي بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ والصحابة - رحمهم الله -؛ وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله - جل وعز - قال في كل فصل من هذا الدعاء: (فعلت.. فعلت)؛ أي: استجبت؛ فهو من الدعاء الذي ينبغي أن يحفظ؛ وأن يدعى به كثيرا. وقوله - جل وعز -: ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ؛ كل عقد من قرابة؛ أو عهد؛ فهو إصر؛ العرب تقول: " ما تأصرني على فلان آصرة " ؛ أي: ما تعطفني عليه قرابة؛ ولا منة؛ قال الحطيئة :


                                                                                                                                                                                                                                        عطفوا علي بغير آ ... صرة فقد عظم الأواصر



                                                                                                                                                                                                                                        أي: عطفوا علي بغير عهد قرابة؛ و " المأصر " ؛ من هذا مأخوذ؛ إنما هو عقد ليحبس به؛ ويقال للشيء الذي تعقد به الأشياء: " الإصار " ؛ فالمعنى: لا تحمل علينا أمرا يثقل كما حملته على الذين من قبلنا؛ نحو ما [ ص: 371 ] أمر به بنو إسرائيل من قتل أنفسهم؛ أي: لا تمتحنا بما يثقل أيضا؛ نحو قوله: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ؛ والمعنى: لا تمتحنا بمحنة تثقل.

                                                                                                                                                                                                                                        ومعنى: ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به أي: ما يثقل علينا؛ فإن قال قائل: فهل يجوز أن يحمل الله أحدا ما لا يطيق؟ قيل له: إن أردت ما ليس في قدرته البتة فهذا محال؛ وإن أردت ما يثقل ويخف؛ فلله - عز وجل - أن يفعل من ذلك ما أحب؛ لأن الذي كلفه بني إسرائيل من قتل أنفسهم يثقل؛ وهذا كقول القائل: " ما أطيق كلام فلان " ؛ فليس المعنى: ليس في قدرتي أن أكلمه؛ ولكن معناه في اللغة أنه يثقل علي.

                                                                                                                                                                                                                                        ومعنى: فانصرنا على القوم الكافرين ؛ أي: انصرنا عليهم في إقامة الحجة عليهم؛ وفي غلبنا إياهم في حربهم؛ وسائر أمرهم؛ حتى تظهر ديننا على الدين كله؛ كما وعدتنا. [ ص: 372 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية