الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قاعدة : الأصل في الجواب أن يكون مشاكلا للسؤال : فإن كان جملة اسمية فينبغي أن يكون الجواب كذلك . ويجيء كذلك في الجواب المقدر ، إلا أن ابن مالك قال في قولك : زيد ، في جواب : من قرأ ؟ إنه من باب حذف الفعل ، على جعل الجواب جملة فعلية . قال : وإنما قدرته كذلك - لا مبتدأ - مع احتماله . . جريا على عادتهم في الأجوبة إذا قصدوا تمامها . قال تعالى : من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها [ يس : 78 - 79 ] ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم [ الزخرف : 9 ] يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات [ المائدة : 4 ] . فلما أتى بالفعلية مع فوات مشاكلة السؤال ، علم أن تقدير الفعل أولا أولى . انتهى .

وقال ابن الزملكاني في " البرهان " : أطلق النحويون القول بأن ( زيدا ) في جواب : من قام ؟ فاعل ، على تقدير : قام زيد ; والذي توجبه صناعة علم البيان : أنه مبتدأ لوجهين :

أحدهما : أنه يطابق الجملة المسئول بها في الاسمية ، كما وقع التطابق في قوله وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا [ النحل : 30 ] في الفعلية . وإنما لم يقع التطابق في قوله ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين [ النحل : 24 ] ; لأنهم لو طابقوا لكانوا مقرين بالإنزال ; وهم من الإذعان به على مفاوز .

الثاني : أن اللبس لم يقع عند السائل إلا فيمن فعل الفعل ، فوجب أن يتقدم الفاعل في المعنى ; لأنه متعلق غرض السائل ، وأما الفعل فمعلوم عنده ; ولا حاجة به إلى السؤال عنه ، فحري أن يقع في الأواخر التي هي محل التكملات والفضلات .

[ ص: 585 ] وأشكل على هذا بل فعله كبيرهم [ الأنبياء : 63 ] في جواب أأنت فعلت هذا [ الأنبياء : 62 ] ; فإن السؤال وقع عن الفاعل لا عن الفعل ، فإنهم لم يستفهموه عن الكسر ، بل عن الكاسر ، ومع ذلك صدر الجواب بالفعل .

وأجيب : بأن الجواب مقدر دل عليه السياق ، إذ ( بل ) لا تصلح أن يصدر بها الكلام والتقدير : ( ما فعلته بل فعله ) .

قال الشيخ عبد القاهر : حيث كان السؤال ملفوظا به فالأكثر ترك الفعل في الجواب والاقتصار على الاسم وحده ، وحيث كان مضمرا فالأكثر التصريح به لضعف الدلالة عليه . ومن غير الأكثر ( يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال ) [ النور : 36 - 37 ] في قراءة البناء للمفعول .

فائدة : أخرج البزار ، عن ابن عباس ، قال : ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما سألوه إلا عن اثنتي عشرة مسألة ، كلها في القرآن .

وأورده الإمام الرازي بلفظ ( أربعة عشر حرفا ) ، وقال : منها ثمانية في البقرة :

وإذا سألك عبادي عني [ البقرة : 186 ] .

يسألونك عن الأهلة [ البقرة : 189 ] .

يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم [ البقرة : 215 ] .

يسألونك عن الشهر الحرام [ البقرة : 217 ] .

يسألونك عن الخمر والميسر [ البقرة : 219 ] .

ويسألونك عن اليتامى [ البقرة : 220 ] .

ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو [ البقرة : 219 ] .

ويسألونك عن المحيض [ البقرة : 222 ] .

والتاسع : يسألونك ماذا أحل لهم [ المائدة : 4 ] .

[ ص: 586 ] والعاشر : يسألونك عن الأنفال [ الأنفال : 1 ] .

والحادي عشر : يسألونك عن الساعة أيان مرساها [ النازعات : 42 ] .

والثاني عشر ويسألونك عن الجبال [ طه : 105 ] .

والثالث عشر ويسألونك عن الروح [ الإسراء : 85 ] .

والرابع عشر ويسألونك عن ذي القرنين [ الكهف : 83 ] .

قلت : السائل عن الروح وعن ذي القرنين مشركو مكة واليهود ، كما في أسباب النزول ، لا الصحابة فالخالص اثنا عشر ، كما صحت به الرواية .

فائدة : قال الراغب : السؤال إذا كان للتعريف تعدى إلى المفعول الثاني : ، تارة بنفسه وتارة ب ( عن ) وهو أكثر ، نحو : ويسألونك عن الروح [ الإسراء : 85 ] . وإذا كان لاستدعاء مال فإنه يعدى بنفسه أو بمن ، وبنفسه أكثر ، نحو : وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب [ الأحزاب : 53 ] . واسألوا ما أنفقتم [ الممتحنة : 10 ] . واسألوا الله من فضله [ النساء : 32 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية