الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      هذا (ومن باب الإشارة في الآيات ) اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون إلخ فيه إشارة إلى سوء حال المحجوبين بحب الدنيا عن الاستعداد للأخرى فغفلوا عن إصلاح أمرهم وأعرضوا عن طاعة ربهم وغدت قلوبهم عن الذكر لاهية وعن التفكر في جلاله وجماله سبحانه ساهية ، وفي قوله تعالى : وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم إشارة إلى سوء حال بعض المنكرين على أولياء الله تعالى فإن نفوسهم الخبيثة الشيطانية تأبى اتباعهم لما يرون من المشاركة في العوارض البشرية وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة فيه إشارة إلى أن في الظلم خراب العمران فمتى ظلم الإنسان خرب قلبه وجر ذلك إلى خراب بدنه وهلاكه بالعذاب ، وفي قوله تعالى : بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق إشارة إلى أن مداومة الذكر سبب لانجلاء الظلمة عن القلب وتطهره من دنس الأغيار بحيث لا يبقى فيه سواه سبحانه ديار ومن عنده قيل هم الكاملون الذين في الحضرة فإنهم لا يتحركون ولا يسكنون إلا مع الحضور ولا تشق عليهم عبادة ولا تلهيهم عنه تعالى تجارة بواطنهم مع الحق وظواهرهم مع الخلق أنفاسهم تسبيح وتقديس وهو سبحانه لهم خير أنيس ، وفي قوله تعالى : بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون إشارة إلى أن الكامل لا يختار شيئا بل شأنه التفويض والجريان تحت مجاري الأقدار مع طيب النفس ، ومن هنا قيل إن القطب الرباني الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس سره وغمرنا بره لم يتوف حتى ترقى عن مقام الإدلال إلى التفويض المحض ، وقد نص على ذلك الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه الجواهر واليواقيت وجعلنا من الماء كل شيء حي قد تقدم ما فيه من الإشارة كل نفس ذائقة الموت قال الجنيد قدس سره : من كانت حياته بروحه يكون مماته بذهابها ومن كانت حياته بربه تعالى فإنه ينقل من حياة الطبع إلى حياة الأصل وهي الحياة على الحقيقة ونبلوكم بالشر والخير فتنة قيل أي بالقهر واللطف والفراق والوصال والإدبار والإقبال والجهل والعلم إلى غير ذلك ، ولا يخفى أنه كثيرا ما يمتحن السالك بالقبض والبسط فينبغي له التثبت [ ص: 57 ] في كل عما يحطه عن درجته ، ولعل فتنة البسط أشد من فتنة القبض فليتحفظ هناك أشد تحفظ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة قال بعض الصوفية : الموازين متعددة فللعاشقين ميزان وللوالهين ميزان وللعاملين ميزان وهكذا ، ومن ذلك ميزان للعارفين توزن به أنفاسهم ولا يزن نفسا منها السماوات والأرض .

                                                                                                                                                                                                                                      وذكروا أن في الدنيا موازين أيضا أعظم موازينها الشريعة وكفتا الكتاب والسنة ، ولعمري لقد عطل هذا الميزان متصوفة هذا الزمان أعاذنا الله تعالى والمسلمين مما هم عليه من الضلال إنه عز وجل المتفضل بأنواع الأفضال .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية