الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون

تتنزل جملة من جاء بالحسنة منزلة بدل الاشتمال لجملة والعاقبة للمتقين ؛ لأن العاقبة ذات أحوال من الخير ودرجات من النعيم وهي على حسب ما يجيء به المتقون من الحسنات ، فتتفاوت درجاتهم بتفاوتها .

وفي اختيار فعل " جاء " في الموضعين هنا إشارة إلى أن المراد : من حضر بالحسنة [ ص: 191 ] ومن حضر بالسيئة يوم العرض على الحساب . ففيه إشارة إلى أن العبرة بخاتمة الأمر وهي مسألة الموافاة . وأما اختيار فعل " عملوا " في قوله : الذين عملوا السيئات فلما فيه من التنبيه على أن عملهم هو علة جزائهم زيادة في التنبيه على عدل الله تعالى .

ومعنى فله خير منها أن كل حسنة تحتوي على خير لا محالة يصل إلى نفس المحسن أو إلى غيره ، فللجائي بالحسنة خير أفضل مما في حسنته من الخير ، أو فله من الله إحسان عليها خير من الإحسان الذي في الحسنة ، قال تعالى في آيات أخرى فله عشر أمثالها أي فله من الجزاء حسنات أمثالها وهو تقدير يعلمه الله .

ولما ذكر جزاء الإحسان أعقب بضد ذلك مقابلة فضل الله تعالى على المحسن بعدله مع المسيء على عادة القرآن من قرن الترغيب بالترهيب .

ومن جاء بالسيئة ما صدقه الذين عملوا السيئات ، و الذين عملوا السيئات الثاني هو عين من جاء بالسيئة ، فكان المقام مقام الإضمار بأن يقال : ومن جاء بالسيئة فلا يجزون إلخ ، ولكنه عدل عن مقتضى الظاهر ؛ لأن في التصريح بوصفهم بـ عملوا السيئات تكريرا لإسناد عمل السيئات إليهم ؛ لقصد تهجين هذا العمل الذميم وتبغيض السيئة إلى قلوب السامعين من المؤمنين .

وفي قوله : إلا ما كانوا يعملون استثناء مفرغ عن فعل يجزى المنفي المفيد بالنفي عموم أنواع الجزاء ، والمستثنى تشبيه بليغ ، أي : جزاء شبه الذي كانوا يعملونه ، والمراد المشابهة والمماثلة في عرف الدين ، أي جزاء وفاقا لما كانوا يعملون ، وجاريا على مقداره لا حيف فيه ، وذلك موكول إلى العلم الإلهي .

التالي السابق


الخدمات العلمية