الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما جاء في الخليطين 3727 - ( عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه { نهى أن ينبذ التمر والزبيب جميعا ، [ ص: 212 ] ونهى أن ينبذ الرطب والبسر جميعا } رواه الجماعة إلا الترمذي ، فإن له منه فصل الرطب والبسر ) .

                                                                                                                                            3728 - ( وعن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا تنبذوا الزهو والرطب جميعا ، ولا تنبذوا الزبيب والرطب جميعا ، ولكن انبذوا كل واحد منهما على حدته } متفق عليه ، لكن للبخاري ذكر التمر بدل الرطب .

                                                                                                                                            وفي لفظ : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن خليط التمر والبسر ، وعن خليط الزبيب والتمر ، وعن خليط الزهو والرطب وقال : انتبذوا كل واحد على حدته } رواه مسلم وأبو داود ) .

                                                                                                                                            3729 - ( وعن أبي سعيد : أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن التمر والزبيب أن يخلط بينهما ، وعن التمر والبسر أن يخلط بينهما ، يعني في الانتباذ } . رواه أحمد ومسلم والترمذي ، وفي لفظ : { نهانا أن نخلط بسرا بتمر أو زبيبا بتمر أو زبيبا ببسر ، وقال : من شربه منكم فليشربه زبيبا فردا وتمرا فردا وبسرا فردا } رواه مسلم والنسائي ) .

                                                                                                                                            3730 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تنبذوا التمر والزبيب جميعا ، ولا تنبذوا التمر والبسر جميعا ، وانبذوا كل واحد منهن وحده } رواه أحمد ومسلم ) .

                                                                                                                                            3731 - ( وعن ابن عباس قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلط التمر والزبيب جميعا ، وأن يخلط البسر والتمر جميعا } ) .

                                                                                                                                            3732 - ( وعنه قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلط البلح بالزهو } . رواهما مسلم والنسائي ) .

                                                                                                                                            3733 - ( وعن المختار بن فلفل عن أنس قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجمع بين شيئين فينبذا يبغي أحدهما على صاحبه قال : وسألته عن الفضيخ فنهاني عنه ، قال : [ ص: 213 ] كان يكره المذنب من البسر مخافة أن يكون شيئين فكنا نقطعه } . رواه النسائي ) .

                                                                                                                                            3734 - ( وعن عائشة قالت : { كنا ننبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء فنأخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فنطرحهما ، ثم نصب عليه الماء فننبذه غدوة فيشربه عشية وننبذه عشية فيشربه غدوة } . رواه ابن ماجه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث أنس رواه النسائي من طريق سويد بن نصر وهو ثقة عن عبد الله بن المبارك الإمام الكبير عن ورقاء وهو صدوق عن المختار بن فلفل وهو ثقة عن أنس .

                                                                                                                                            وقد أخرجه أيضا أحمد بن حنبل من طريق المختار بن فلفل عنه . وحديث عائشة رجاله عند ابن ماجه رجال الصحيح إلا تبالة بنت يزيد الراوية له عن عائشة فإنها مجهولة . وقد أخرجه أيضا أبو داود عن { صفية بنت عطية قالت : دخلت مع نسوة من عبد القيس على عائشة فسألناها عن التمر والزبيب فقالت : كنت آخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فألقيه في إناء فأمرسه ثم أسقيه النبي صلى الله عليه وسلم } وفي إسناده أبو بحر عبد الرحمن بن عثمان البكراوي البصري . قال المنذري : ولا يحتج بحديثه . قال أبو حاتم : وليس هو بالقوي . وأخرج أبو داود أيضا عن امرأة من بني أسد عن عائشة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينتبذ له زبيب فيلقى فيه تمر ، أو تمر فيلقى فيه الزبيب } وفيه هذه المرأة المجهولة .

                                                                                                                                            قوله : ( باب ما جاء في الخليطين ) أصل الخليط تداخل أجزاء أشياء بعضها في بعض قوله : ( والبسر ) بضم الموحدة : نوع من تمر النخل معروف قوله : ( الزهو ) بفتح الزاي وضمها لغتان مشهورتان .

                                                                                                                                            قال الجوهري : أهل الحجاز يضمون : يعني وغيرهم يفتح ، والزهو : هو البسر الملون الذي بدا فيه حمرة أو صفرة وطاب ، وزهت تزهي زهوا وأزهت تزهى ، وأنكر الأصمعي أزهت بالألف ، وأنكر غيره زهت بلا ألف ، ورجح الجمهور زهت ، وقال ابن الأعرابي : زهت ظهرت وأزهت احمرت أو اصفرت والأكثرون على خلافه .

                                                                                                                                            قوله : ( على حدته ) بكسر الحاء المهملة وفتح الدال : أي وحدته فحذفت . الواو من أوله ، والمراد أن كل واحد منهما ينبذ منفردا عن الآخر . قوله : ( البلح ) بفتح الموحدة وسكون اللام ثم حاء مهملة ، وفي القاموس وشمس العلوم بفتحهما : هو أول ما يرطب من البسر واحده بلحة . قوله : ( وسألته عن الفضيخ ) قد تقدم ضبطه وتفسيره . قوله : ( كان يكره المذنب ) بذال معجمة فنون مشددة مكسورة : ما بدا فيه الطيب من ذنبه : أي طرفه ، ويقال له أيضا الذنوب قوله : ( نقطعه ) أي نفصل بين البسر وما بدا فيه . واختلف في سبب النهي عن الخليطين ، فقال النووي : ذهب أصحابنا وغيرهم من العلماء [ ص: 214 ] إلى أن سبب النهي عن الخليط أن الإسكار يسرع إليه بسبب الخلط قبل أن يشتد ، فيظن الشارب أنه لم يبلغ حد الإسكار وقد بلغه .

                                                                                                                                            قال : ومذهب الجمهور أن النهي في ذلك للتنزيه وإنما يحرم إذا صار مسكرا ولا تخفى علامته . وقال بعض المالكية : هو للتحريم . واختلف في خلط نبيذ البسر الذي لم يشتد مع نبيذ التمر الذي لم يشتد عند الشرب هل يمتنع أو يختص النهي عن الخلط بالانتباذ ، فقال الجمهور : لا فرق . وقال الليث : لا بأس بذلك عند الشرب . ونقل ابن التين عن الداودي أن المنهي عنه خلط النبيذ بالنبيذ لا إذا نبذا معا . واختلف في الخليطين من الأشربة غير النبيذ ، فحكى ابن التين عن بعض الفقهاء أنه كره أن يخلط للمريض الأشربة . قال ابن العربي : لنا أربع صور : أن يكون الخليطان منصوصين فهو حرام ، أو منصوص ومسكوت عنه ، فإن كان كل منهما لو انفرد أسكر فهو حرام قياسا على المنصوص أو مسكوت عنهما ، وكل منهما لو انفرد لم يسكر جاز إلى آخر كلامه .

                                                                                                                                            وقال الخطابي : ذهب إلى تحريم الخليطين وإن لم يكن الشراب منهما مسكرا جماعة عملا بظاهر الحديث وهو قول مالك وأحمد وإسحاق وظاهر مذهب الشافعي ، وقالوا : من شرب الخليطين أثم من جهة واحدة ، فإن كان بعد الشدة أثم من جهتين وخص النهي بما إذا انتبذا معا . وخص ابن حزم النهي بخمسة أشياء : التمر ، والرطب ، والزهو ، والبسر ، والزبيب . قال : سواء خلط أحدهما في الآخر منها أو في غيرها ، فأما لو خلط واحد من غيرها في واحد من غيرها فلا منع كالتين والعسل مثلا . وحديث أنس المذكور في الباب يرد عليه .

                                                                                                                                            وقال القرطبي : النهي عن الخليطين ظاهر في التحريم وهو قول جمهور فقهاء الأمصار ، وعن مالك يكره فقط ، وشذ من قال : لا بأس به لأن كلا منهما يحل منفردا فلا يكره مجتمعا . قال : وهذه مخالفة للنص بقياس مع وجود الفارق فهو فاسد ثم هو منتقض بجواز كل واحدة من الأختين منفردة وتحريمهما مجتمعين .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية