الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1359 [ ص: 104 ] ( 27 ) باب بيع الحيوان باللحم .

                                                                                                                        1321 - مالك ، عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان باللحم .

                                                                                                                        1322 - مالك ، عن داود بن الحصين ، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول ، من ميسر أهل الجاهلية بيع الحيوان باللحم ، بالشاة والشاتين .

                                                                                                                        1323 - مالك ، عن أبي الزناد ، عن سعيد بن المسيب ، أنه كان يقول : نهي عن بيع الحيوان باللحم .

                                                                                                                        [ ص: 105 ] قال أبو الزناد : فقلت لسعيد بن المسيب : أرأيت رجلا اشترى شارفا بعشرة شياه ؟ فقال سعيد : إن كان اشتراها لينحرها ، فلا خير في ذلك .

                                                                                                                        29431 - قال أبو الزناد : وكل من أدركت من الناس ينهون عن بيع الحيوان باللحم .

                                                                                                                        29432 - قال أبو الزناد : وكان ذلك يكتب في عهود العمال . في زمان أبان بن عثمان ، وهشام بن إسماعيل . ينهون عن ذلك .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        29433 - قال أبو عمر : لا أعلم حديث النهي عن بيع الحيوان باللحم يتصل عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه ثابت ، وأحسن أسانيده مرسل سعيد بن المسيب على ما ذكره مالك في موطئه .

                                                                                                                        29434 - وقد روي فيه عن مالك إسناد منكر ، قد ذكرناه في " التمهيد " .

                                                                                                                        [ ص: 106 ] 29435 - ورواه معمر ، عن زيد بن أسلم ، عن سعيد بن المسيب : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اللحم بالشاة الحية .

                                                                                                                        قال معمر ، قال زيد بن أسلم : نظرة ، ويدا بيد .

                                                                                                                        29436 - وقد اختلف الفقهاء في القول بهذا الحديث ، والعمل به ، والمراد منه .

                                                                                                                        29437 - فكان مالك يقول : معنى هذا الحديث تحريم التفاضل في الجنس الواحد حيوانه بلحمه ، وهو عنده من باب المزابنة ، والغرر ، والقمار ؛ لأنه لا يدري هل في الحيوان مثل اللحم الذي أعطى ، أو أقل ، أو أكثر ، وبيع اللحم باللحم لا يجوز متفاضلا ، فكان بيع الحيوان باللحم كبيع اللحم المغيب في جلده بلحم إذا كانا من جنس واحد ، والجنس الواحد عنده : الإبل والبقر ، والغنم والظباء ، والوعول وسائر الوحوش ، وذوات الأربع المأكولات .

                                                                                                                        29438 - هذا كله عنده جنس واحد ، لا يجوز بيع شيء من حيوان هذا الصنف والجنس كله بشيء من لحمه بوجه من الوجوه ؛ لأنه عنده من باب المزابنة ، كأنه الزبيب بالعنب ، والزيت بالزيتون ، والشيرج بالسمسم ، ونحو ذلك .

                                                                                                                        29439 - والطير كله عنده جنس واحد : الدجاج ، والإوز ، والبط ، والحمام ، [ ص: 107 ] واليمام ، والنعام ، والحدأ ، والرخم ، والنسور ، والعقبان ، والبزاة ، والغربان ، وطير الماء ، وطير البر كله ؛ لأنه يرى أكل الطير كله ، سباعه ، وغير سباعه ، ذي المخلب منه ، وغير ذي المخلب .

                                                                                                                        29440 - والحيتان عنده كلها جنس واحد ، وكذلك كل ما في الأنهار ، والبحار من السمك وغير السمك .

                                                                                                                        29441 - وقد روي عن مالك أن الجراد وحده صنف واحد .

                                                                                                                        29442 - وما ذكرت لك من أصله من بيع الحيوان باللحم هو مذهبه المعروف عنه ، وعن جماعة أصحابه إلا أشهب ، فإنه لا يقول بقول مالك في بيع الحيوان باللحم ، ومال فيه إلى مذهب الكوفيين ، ولم يقل فيه بما روي من الحديث عن مالك ، وعمل أهل المدينة ، هذا فيما أحسب مما رواه أبو إسحاق البرقي ، عن أشهب .

                                                                                                                        29443 - والمعروف عن أشهب أن اللحم الذي لا حياة فيه لا يجوز بيعه بشيء من الحيوان من جنسه ، وإنما ما يقتنى من الحيوان ، لأنه حيوان كله ، فخالف سعيد بن المسيب في الشارف بعشر شياه ، وخالف مالكا ، وابن القاسم في ذلك .

                                                                                                                        29444 - قال أبو عمر : إذا اختلف الجنسان ، فلا خلاف عند مالك [ ص: 108 ] وأصحابه أنه جائز حينئذ بيع الحيوان باللحم وجائز عندهم بيع ما شئت من الأنعام بما شئت من الطير والحيتان ، وبيع ما شئت من الطير ، والأنعام بما شئت من الحيوان ، ونحو ذلك .

                                                                                                                        29445 - ولا يجوز عند مالك ، وأصحابه - إلا أشهب - أن يباع الدجاج بطير الماء ، لأن طير الماء لا يقتنى ، فهو كاللحم .

                                                                                                                        29446 - والأصل في هذا قول سعيد بن المسيب في الشارف إن كان اشتراها ، لينحرها ، فلا يجوز - يعني بيعها - بغنم أحياء .

                                                                                                                        [ ص: 109 ] 29447 - وكان ابن القاسم لا يجيز حي ما يقتنى بحي ما لا يقتنى لا مثلا بمثل ، ولا متفاضلا ؛ لأنه حيوان بلحم ، وأجاز حي ما لا يقتنى على التحري .

                                                                                                                        29448 - وأما حي ما يقتنى بحي ما لا يقتنى ، فجائز عندهم متفاضلا ، يدا بيد على ما ذكرنا من أصولهم في بيع الحيوان بعضه ببعض .

                                                                                                                        29449 - وقال أحمد بن حنبل : لا يجوز بيع اللحم بالحيوان .

                                                                                                                        29450 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأبو يوسف : لا بأس باللحم بالحيوان من جنسه ، وغير جنسه على كل حال بغير اعتبار .

                                                                                                                        29451 - وقال محمد بن الحسن : لا يجوز إلا على الاعتبار .

                                                                                                                        29452 - قال أبو عمر : الاعتبار عنده كالتحري عند ابن القاسم .

                                                                                                                        29453 - وقال المزني : إن لم يصح الحديث في بيع الحيوان باللحم ، فالقياس أنه جائز ، وإن صح بطل القياس ، واتبع الأثر .

                                                                                                                        29454 - وقال الليث بن سعد ، والشافعي ، وأصحابه : لا يجوز بيع اللحم بالحيوان على كل حال من الأحوال من جنس واحد كان ، أو من جنسين مختلفين على عموم الحديث .

                                                                                                                        [ ص: 110 ] 29455 - قال أبو عمر : ذهب الشافعي إلى القول بهذا الحديث ، وإن كان مرسلا ، وأصله ألا تقبل المراسيل ؛ لأنه زعم أنه افتقد مراسيل سعيد بن المسيب ، فوجدها ، أو أكثرها مسندة صحاحا .

                                                                                                                        29456 - وكره جميع أنواع الحيوان بأنواع اللحوم على ظاهر الحديث ، وعمومه ؛ لأنه لم يأت أثر يخصه ، ولا إجماع ، ولا يجوز عنده أن يخص النص بالقياس ، والحيوان عنده أشهر لكل ما يعيش في البر ، والماء ، وإن اختلفت أجناسه كالطعام الذي هو اسم لكل مأكول ، ومشروب .

                                                                                                                        29457 - وروي عن ابن عباس أن جزورا نحرت على عهد أبي بكر ، فقسمت على عشرة أجزاء ، فقال رجل : أعطوني جزءا منها بشاة ، فقال أبو بكر : لا يصلح هذا .

                                                                                                                        29458 - قال الشافعي : ولست أعلم لأبي بكر في ذلك مخالفا من الصحابة .

                                                                                                                        قال أبو عمر : قد روي عن ابن عباس أنه أجاز بيع الشاة باللحم ، وليس بالقوي .

                                                                                                                        29459 - وذكر عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب أنه كره أن يباع حي بميت - يعني الشاة المذبوحة بالقائمة .

                                                                                                                        [ ص: 111 ] 29460 - وقال سفيان : ونحن لا نرى به بأسا .

                                                                                                                        29461 - قال أبو عمر : للكوفيين في أنه جائز بيع اللحم بالحيوان حجج كثيرة من جهة القياس ، والاعتبار ، لأنه إذا صح الأثر بطل القياس ، والنظر ، وبالله التوفيق .




                                                                                                                        الخدمات العلمية