الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ثم أخذ - سبحانه - يتمم بيان ضلال الكافرين؛ فقال (تعالى): بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون ؛ الإضراب هنا فيه بيان أنهم لا ينتفعون بالعظات والعبر؛ ولا يستبصرون بهداية المهتدين؛ ولا يتعرفون مآل الحق وأهله؛ ولا مآل الباطل وأهله؛ " في غمرة من هذا " ؛ " الغمرة " ؛ أصلها: ما يغمر الإنسان من الماء؛ وقد فسر بعضهم الغمرة بالغفلة التي غمرتهم؛ وهو تفسير حسن؛ وقد غفلوا - أولا - عن الكتاب الذي يكتب الحسنات والسيئات؛ أو علم الله (تعالى) الذي لا يغادر صغيرة أو كبيرة إلا أحصاها؛ وغفلوا عن رقابة الله (تعالى) لأعمالهم؛ وغفلوا عن أعمال المؤمنين واستقامة قلوبهم؛ وهم أناس مثلهم؛ قد سبقوهم في الفضل وشرف الإيمان؛ والمسارعة في الخيرات والسبق فيها؛ وأنهم قد سارعوا في الكفر؛ كما سارع المؤمنون في الخيرات؛ وسبقوا إليها؛ [ ص: 5090 ] فكان لهم في الكفر أعمال كثيرة؛ منها أنهم حرموا على أنفسهم ما لم يحرم الله (تعالى)؛ كما حرموا السائبة والوصيلة والبحيرة؛ ومنها أنهم جعلوا للأوثان نصيبا من الحرث؛ ومنها أنهم صدوا عن سبيل الله؛ ومنها أنهم فتنوا المؤمنين في دينهم؛ ومنها أنهم آذوهم وأخرجوهم؛ ومنها أن رؤوسهم صارت عشا للخرافات والأوهام; ولذا قال (تعالى): ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون ؛ وقد أشرنا إلى بعض هذه الأعمال؛ ومنها طوافهم بالبيت عراة؛ وادعاؤهم أن الله (تعالى) أمر بها؛ وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا ؛ وقوله (تعالى): من دون ذلك ؛ الإشارة إلى الشرك والكفر بآيات الله (تعالى)؛ وإنكار التوحيد؛ و " من " ؛ بيانية؛ " دون " ؛ أي: غيرها؛ وأدنى منها درجة في التكليف؛ وأنهم مستمرون؛ وهذا معنى قوله (تعالى): هم لها عاملون ؛ فالجملة حالية من ضمير " لها " ؛ أي: والحال أنهم مستمرون على هذه الأعمال غير منقطعين عنها؛ فهم في ضلال مستمر.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية