الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون ؛ " حتى " ؛ للغاية؛ والمعنى: فهم في غفلتهم المستمرة الغامرة الحق بالباطل؛ لا يستبصرون؛ ولا يتيقظون؛ ولا ينبههم إلا قارعة تقرعهم; ولذا قال: حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب ؛ فتقرعهم القارعة؛ أي أنهم غافلون؛ حتى تنبههم من الغفلة قارعة تمس المترفين؛ وخص المترفين بالذكر؛ مع أن القارعة تعمهم وغيرهم إذ المهلكات تعم؛ ولا تخص المترفين منهم؛ خص المترفين; لأنهم أصل الإنكار؛ الذين تلهيهم الغفلة عن الحق؛ أو يلهيهم ما هم فيه من ترف عن أن يدركوا الحق; لأنهم لا شدائد تنبههم؛ فالشدائد ترهف المدارك؛ وتوقظ الأفهام؛ ولأنهم لا يصبرون على الابتلاء؛ بل يخرون صاغرين أمام أي شدة؛ أو كارثة تكرثهم; ولذا قال: حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون ؛ " إذا " ؛ للمفاجأة؛ والمفاجأة تحول حالهم من استكبار واعتزاز وغفلة إلى صغار وتنبه؛ وضراعة؛ فـ " الجؤار " ؛ مصدر " جأر " ؛ وهو رفع الصوت بالضراعة والاستغاثة. [ ص: 5091 ] و " العذاب " ؛ قيل: هو عذاب الدنيا؛ بكارثة دنيوية؛ أو حرب هازمة لهم؛ والتعبير أخذنا مترفيهم بالعذاب ؛ معناها: أنزلنا بهم العذاب؛ جزاء ما أجرموا؛ وكنى عن ذنوبهم بالعذاب الذي استحقوه بها؛ وقال: " أخذناهم " ؛ كناية عن أنه أخذهم حتى لا يفلتوا منه؛ وشبه إنزاله بهم؛ بأخذهم إليه أخذا مصحوبا بالعذاب الشديد؛ وإنهم إذ يضرعون ويجأرون؛ يفعلون ذلك في وقت غير مناسب; لأنه قد فات وقت الضراعة والاستعانة بالله؛ إذ إن تلك الضراعة كانت وهم في وقت التكليف; ولذا قال (تعالى):

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية