الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [60 - 63] أمن خلق السماوات والأرض وأنـزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون [ ص: 4678 ] أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون

                                                                                                                                                                                                                                      أمن خلق السماوات والأرض إضراب وانتقال، من التبكيت تعريضا، إلى التصريح به خطابا على وجه أظهر منه لمزيد التأكيد. أي: بل من خلق السماوات والأرض، وأودع فيهما من المنافع ما لا يحصى: وأنـزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة أي: بساتين ذات حسن ورونق يبهج النظار: ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله أي: أإله آخر كائن مع الله، الذي ذكر بعض أفعاله، التي لا يكاد يقدر عليها غيره، حتى يتوهم جعله شريكا له تعالى في العبادة؟ وهذا تبكيت لهم بنفي الألوهية عما يشركون به تعالى، في ضمن النفي الكلي على الطريقة البرهانية، بعد تبكيتهم بنفي الخيرية عنه بما ذكر من الترديد. قال أبو السعود: بل هم قوم يعدلون أي: عن طريق الحق. أو به تعالى غيره أمن جعل الأرض قرارا أي: قارة لا تنكفئ بمن عليها. أو مستقرا لمن عليها، يتمتعون بمنافعها: وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أي: برزخا مانعا من الممازجة: أإله مع الله أي: في الوجود، أو في إبداع هذه البدائع: بل أكثرهم لا يعلمون أي: شيئا من الأشياء. ولذلك لا يفهمون بطلان ما هم عليه من الشرك، مع كمال ظهوره: أمن يجيب المضطر إذا دعاه وهو الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل الدهر، إلى اللجأ والتضرع إلى الله تعالى، اسم مفعول من (الاضطرار) الذي هو افتعال من [ ص: 4679 ] (الضرورة) وهي الحالة المحوجة إلى اللجأ أي: الالتجاء والاستناد.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن كثير : ينبه تعالى أنه المدعو عند الشدائد، الموجود عند النوازل، كما قال تعالى: وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه

                                                                                                                                                                                                                                      وقال تعالى: ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون وهكذا قال هاهنا: أمن يجيب المضطر إذا دعاه أي: من هو الذي لا يلجأ المضطر إلا إليه، والذي لا يكشف ضر المضرورين سواه؟.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن القيم في (الجواب الكافي): إذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف انكسارا بين يدي الرب وذلا له وتضرعا ورقة، ثم توسل إليه تعالى بأسمائه وصفاته وتوحيده، فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدا. ولا سيما إن صادف الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها مظنة الإجابة، أو أنها متضمنة للاسم الأعظم. ثم ساقها ابن القيم مسندة.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال: وكثيرا ما نجد أدعية دعا بها قوم فاستجيب لهم، فيكون قد اقترن بالدعاء ضرورة صاحبه وإقباله على الله. أو حسنة تقدمت منه، جعل الله سبحانه إجابة دعوته شكرا لحسنته. أو صادف الدعاء وقت إجابة، ونحو ذلك، فأجيبت دعوته. فيظن الظان أن السر في لفظ ذلك الدعاء، فيأخذه مجردا عن تلك الأمور التي قارنته من ذلك الداعي. وهذا كما إذا استعمل رجل دواء نافعا، في الوقت الذي ينبغي، على الوجه الذي ينبغي. فانتفع به. فظن غيره أن استعمال هذا الدواء بمجرده، كاف في حصول المطلوب، كان غالطا. وهذا موضع يغلط فيه كثير من الناس. ومن هذا قد يتفق دعاؤه باضطرار عند قبر فيجاب. فيظن الجاهل أن السر للقبر ولم يعلم أن السر للاضطرار وصدق اللجأ إلى الله. فإذا حصل ذلك في بيت من بيوت الله، كان أفضل وأحب إلى الله. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ويكشف السوء أي: كل ما هو يسوء مما يضطر فيه وغيره: ويجعلكم خلفاء الأرض أي: خلفاء فيها. وذلك توارثهم سكانها، والتصرف فيها قرنا بعد قرن [ ص: 4680 ] أو أراد بالخلافة الملك والتسلط. قاله الزمخشري أإله مع الله قليلا ما تذكرون أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر أي: بالنجوم في السماء، والعلامات في الأرض، إذا جن الليل عليكم مسافرين في البر والبحر: ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وهي المطر: أإله مع الله تعالى الله عما يشركون

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية