الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين .

                                                                                                                                                                                                                                      ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أن المنافقين اتخذوا أيمانهم جنة ، والأيمان جمع يمين ، وهي الحلف ، والجنة هي الترس الذي يتقي به المقاتل وقع السلاح . والمعنى أنهم جعلوا الأيمان الكاذبة ، وهي حلفهم للمسلمين إنهم معهم وإنهم مخلصون في باطن الأمر - ترسا لهم يتقون به الشر الذي ينزل بهم لو صرحوا بكفرهم . وقوله تعالى : فصدوا عن سبيل الله الظاهر أنه من " صد " المتعدية ، وأن المفعول محذوف ، أي : فصدوا غيرهم ممن أطاعهم لأن صدودهم في أنفسهم دل عليه قوله : اتخذوا أيمانهم جنة والحمل على التأسيس أولى من الحمل على التأكيد ، كما أوضحناه مرارا .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذان الأمران اللذان تضمنتهما هذه الآية الكريمة ، وهما كون المنافقين يحلفون الأيمان الكاذبة لتكون لهم جنة ، وأنهم يصدون غيرهم عن سبيل الله - جاءا موضحين في آيات أخر من كتاب الله ، أما أيمانهم الكاذبة فقد بينها الله - جل وعلا - في آيات كثيرة ، كقوله تعالى في هذه السورة ويحلفون على الكذب وهم يعلمون [ 58 \ 14 ] ، وقوله تعالى : يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه ، وقوله تعالى : سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم الآية [ 9 \ 95 ] ، [ ص: 554 ] وقوله تعالى : وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون [ 9 \ 42 ] ، وقوله تعالى : اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون [ 63 \ 2 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما صدهم من أطاعهم عن سبيل الله فقد بينه الله في آيات من كتابه كقوله تعالى : قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا [ 33 \ 18 ] ، وقوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا [ 3 \ 156 ] ، وقوله تعالى : الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا [ 3 \ 168 ] ، وقوله تعالى : وإن منكم لمن ليبطئن [ 4 \ 72 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة فلهم عذاب مهين ، أي لأجل نفاقهم ، كما قال تعالى : إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار الآية [ 4 \ 145 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية