الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          يذكرون الله في الشدة ولا يذكرونه في الرخاء

                                                          قال الله (تعالى): ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون بل قالوا مثل ما قال الأولون قالوا أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين

                                                          إن من شأن من لا يؤمن بالله واليوم الآخر؛ أن يكون إحساسه خاضعا للساعة التي يكون فيها لا ينفذ ببصيرته إلى ما وراءها؛ فيقول في كل شيء: ما هي إلا حياتنا الدنيا؛ ولا يفكر إلا في الحالة التي تظله. [ ص: 5100 ] ومن شأنه أنه إذا نالته شدة أحس بسلطان الله (تعالى)؛ وأنه كاشف الضر؛ فإذا زال عنه الضر عاد إلى كفره؛ وهذا المعنى يصوره قوله (تعالى): وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه

                                                          لقد تضرع المشركون لبلاء نزل بهم؛ فرق النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فقال الله (تعالى) - مبينا سنته فيهم وفي أمثالهم -: ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون ؛ أي: لو غمرناهم برحمتنا في وقت شدتهم؛ فأزلنا عنهم الغم؛ وكشفنا الضر من مرض؛ أو بلاء؛ لاستمروا لاجين في ظلمهم الطاغي يعمهون؛ " الكشف " ؛ كناية عن ذهاب الضر; لأن الضرر يكون كالغمة؛ وكشفها إزالة كربها؛ وما المراد من الرحمة وكشف الضرر؟ أهو زواله بعد النزول؛ أم أنه يستمر في الرحمة بأن يتمتع بنعمة الصحة والعافية وعدم وجود الضرر؟ إن الآية تحتملهما؛ وإن الرحمة هي التمتع بمتع الحياة؛ وعدم نزول الضرر؛ بل هو مكشوف عنها كل ضرر يحتمل أن يوجد؛ ويكون المعنى أن النعمة تغرهم فيكفرونها؛ وعدم نزول ضرر بهم كذلك؛ فيستمرون في حالهم لاجين فيها و " في طغيانهم " ؛ أي: في ظلمهم الطاغي؛ " يعمهون " ؛ أي: يترددون؛ ويتحيرون؛ فإن الطاغي متردد متحير دائما؛ إذ إن للفطرة العادلة صوتا؛ وإن لم يكن مجلجلا؛ والظلم لجلج دائما؛ وإذا رأيت الظالم يعنف دائما؛ فاعلم أن ذلك لإسكات الصوت الخفي الذي ينبعث خافتا ليسكته.

                                                          وعلى الاحتمال الآخر؛ وهو أن هذا يكون بعد نزول ضرر وكشفه؛ فإنه واضح؛ ولكن نحن نرجح الأول؛ لقوله (تعالى): " للجوا " ؛ إلى آخره; لأن اللجاجة استمرار الحال قائمة؛ والشدة فيها؛ ويكون المعنى أن استمرار النعمة عليهم تطغيهم بالظلم؛ وتغريهم بالشر.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية