الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        [ ص: 163 ] ( 32 ) باب بيع النحاس والحديد وما أشبههما مما يوزن .

                                                                                                                        1328 - قال مالك : الأمر عندنا فيما كان مما يوزن من غير الذهب والفضة . ومن النحاس والشبه والرصاص والآنك والحديد والقضب والتين والكرسف . وما أشبه ذلك مما يوزن فلا بأس بأن يؤخذ من صنف واحد . اثنان بواحد . يدا بيد . ولا بأس أن يؤخذ رطل حديد برطلي حديد . ورطل صفر . برطلي صفر .

                                                                                                                        قال مالك : ولا خير فيه ، اثنان بواحد من صنف واحد . إلى أجل . فإذا اختلف الصنفان من ذلك . فبان اختلافهما . فلا بأس بأن يؤخذ منه اثنان بواحد . إلى أجل . فإن كان الصنف منه يشبه الصنف الآخر . وإن اختلف في الاسم . مثل الرصاص والآنك والشبه والصفر فإني أكره أن يؤخذ منه اثنان بواحد إلى أجل .

                                                                                                                        قال مالك : وما اشتريت من هذه الأصناف كلها . فلا بأس أن تبيعه قبل أن تقبضه من غير صاحبه الذي اشتريته منه . إذا قبضت ثمنه ، إذا كنت اشتريته كيلا أو وزنا . فإن اشتريته جزافا فبعه من غير الذي اشتريته منه بنقد . أو إلى أجل . وذلك أن ضمانه منك إذا اشتريته جزافا . ولا يكون ضمانه منك إذا اشتريته وزنا ، حتى تزنه وتستوفيه . وهذا أحب ما سمعت إلي في هذه الأشياء كلها وهو الذي لم يزل عليه أمر الناس عندنا .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        29625 - قال أبو عمر : الصفر : النحاس المصنوع الأصفر .

                                                                                                                        [ ص: 164 ] 29626 - والشبه : ضرب منه يقال له اللاطون ، والآنك : القزدير .

                                                                                                                        29627 - وقال الخليل : الآنك : الأسرب ، والقطعة منها أنكة .

                                                                                                                        29628 - والقضب : هو القضقضة .

                                                                                                                        29629 - والكرسف : القطن .

                                                                                                                        29630 - فما كان من هذه الأشياء كلها . فلا ربا فيها عند مالك إذا اختلفت أصنافها لا من تفاضل ، ولا في نسيئة .

                                                                                                                        29631 - وأما الصنف الواحد إذا بيع منه اثنان بواحد إلى الأجل ، فذلك عنده سلف أسلفه ليأخذ أكثر منه شرط ذلك ، وأظهر فيه لفظ البيع ليجيز بذلك ما لا يجوز من السلف في الزيادة ، فلا يجوز .

                                                                                                                        29632 - فإن باع الصنف الواحد اثنين بواحد يدا بيد جاز ، لأنه ارتفعت فيه التهمة ، وبعدت منه الظنة ، وعلم أنه لم يدخله شيء من القرض ، وهو السلف .

                                                                                                                        29633 - هذا أصل مالك ، وأصحابه في كل ما عدا المأكول ، والمشروب ، والذهب والورق ، إلا أن مالكا كره الفلوس اثنين بواحد ، يدا بيد ، فخالف أصله في ذلك ، ورآها كالذهب ، والفضة ، وحمل ذلك عند أصحابه على الكراهة ، لا على التحريم ، فلا .

                                                                                                                        [ ص: 165 ] 29634 - وأما الشافعي ، فلا ربا عنده في شيء من ذلك كله على حال من الأحوال .

                                                                                                                        29635 - وجائز عنده بيع كل صنف منه يدا بيد ، ونسيئة كيف شاء المتبايعان اثنان بواحد ، وأكثر .

                                                                                                                        29636 - ولا يتهم أحد ذكر بيعا ؛ لأنه أراد سلفا كما لو قال : أسلفك لم يكن عنده بمعنى بعتك .

                                                                                                                        29637 - أما الكوفيون ، فقد ذكرت ذلك فيما تقدم من أبواب هذا الكتاب أن الكيل ، والوزن عندهم فيما لا يؤكل ، ولا يشرب كالجنس من المأكول ، والمشروب ، كل واحد منهما بانفراده يحرم النسيئة فيه ، فإن اختلف الجنسان حرمت النسيئة فيهما دون التفاضل ، وأما التفاضل ، فلا يحرم إلا باجتماع الجنس ، أو الكيل ، أو الوزن .

                                                                                                                        29638 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : لا يجوز الحديد بالحديد ، ولا الصفر بالصفر ، ولا النحاس بالنحاس إلا واحدا بواحد . ولا يجوز نسيئة .

                                                                                                                        29639 - وأجازوا سكينا بسكين ، لأن ذلك قد خرج من أن يباع وزنا .

                                                                                                                        29640 - وكذلك عندهم حكم كل آنية تصنع من الحديد وغيره .

                                                                                                                        29641 - ولا يجوز ذلك عندهم ، ولا عند أحد من العلماء في آنية الذهب ، والفضة .

                                                                                                                        [ ص: 166 ] 29642 - وهذا ترك منهم للقياس ؛ لأن الإجماع لما انعقد في آنية الذهب والفضة كالعين ، والتبر من الذهب وآنية الفضة كالتبر ، والعين من الفضة وجب أن يكون ما خرج من الصنعة في الحديد ، ومن النحاس ، ومن الصفر ، وكالحديد ، وكالنحاس ، وكالصفر ، وخلاف هؤلاء في آنية الحديد بالحديد ، كخلاف مالك - رحمه الله - في الفلوس .

                                                                                                                        29643 - ونذكر هاهنا اختلافهم في الفلوس ملخصا بحمد الله تعالى .

                                                                                                                        29644 - قال مالك : لا يجوز بيع فلس بفلسين ، يدا بيد ، فجعل الفلوس هاهنا كالذهب ، أو كالفضة ، وقال : لا بأس ببيع الفلوس بالذهب والورق ، فإن لم يتقايضا جميعا حتى افترقا ، فأكرهه ، وأفسخ البيع فيه ، ولا أراه كتحريم الدنانير والدراهم .

                                                                                                                        29645 - وقول عبيد الله بن الحسن في بيع فلس بفلسين كقول مالك .

                                                                                                                        29646 - وهو قول محمد بن الحسن .

                                                                                                                        29647 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف : لا بأس ببيع فلس ، بفلسين .

                                                                                                                        29648 - وهو قول الشافعي .

                                                                                                                        29649 - وزاد الشافعي ، فأجاز السلم في الفلوس ، ولا ربا عنده في غير الذهب ، والورق ، والمأكول كله ، والمشروب لا في نسيئة ، ولا في تفاضل .

                                                                                                                        [ ص: 167 ] 29650 - وهو قول أبي ثور ، وداود .

                                                                                                                        29651 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : من ابتاع الفلوس بالدنانير والدراهم ، وقبض أحدهما ، فافترقا قبل قبض الآخر لم يبطل العقد .

                                                                                                                        29652 - قال : وإن لم يقبض واحدا منهما حتى افترقا بطل العقد ، ليس لأنه فرق ، ولكن ، لأن كل واحد منهما ثمن ، فصار دينا بدين .

                                                                                                                        29653 - قال أبو عمر : لما اجتمع العلماء على أنه لا بأس بشراء النحاس ، والصفر ، والحديد ، والمسك ، والعنبر ، والزعفران ، وما أشبه ذلك من الموزونات بالذهب ، والورق نقدا ، ونسيئة ، دل - والله أعلم - على فساد ما أحله الكوفيون في أن الوزن جنس لا يجوز فيه التفاضل ، ولا النسأ .

                                                                                                                        29654 - ولهم ، ولسائر العلماء في أصول هذا الباب اعتراضات ، وتنازع واحتجاجات ، يطول ذكرها ، وليس كتابنا هذا موضعا لها .

                                                                                                                        29655 - وقد أجمعوا على جواز بيع الزعفران ، والقطن ، والحديد ، والرصاص ، وكل ما يوزن بالذهب ، والفضة بالنقد والنسيئة .

                                                                                                                        29656 - وأجمعوا أنه لا يباع الذهب بالفضة نسيئة ، فدل على مخالفتها لسائر الموزونات .

                                                                                                                        29657 - وأجمعوا على أنها قيم للمتلفات والمستهلكات دون غيرها ، [ ص: 168 ] فدل على خصوصها ، وخروجها على سائر الموزونات .

                                                                                                                        29658 - وأما قول مالك : وما اشتريت من هذه الأصناف كلها ، فلا بأس أن تبيعه قبل أن تقبضه إلى آخر كلامه ، فقد مضى القول فيها مكررا ، فلا معنى لإعادته .




                                                                                                                        الخدمات العلمية