الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب من حلف فقال إن شاء الله 3801 - ( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من حلف فقال : إن شاء الله ، لم يحنث } رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وقال : " فله ثنياه " والنسائي وقال : " فقد استثنى " ) .

                                                                                                                                            3802 - ( وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من حلف على يمين فقال إن شاء الله فلا حنث عليه } رواه الخمسة إلا أبا داود ) .

                                                                                                                                            3803 - ( وعن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { والله لأغزون قريشا ثم قال : إن شاء الله ، ثم قال : والله لأغزون قريشا ، ثم قال : إن شاء الله ، ثم قال : والله لأغزون قريشا ، ثم سكت ثم قال : إن شاء الله ، ثم لم يغزهم } أخرجه أبو داود )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث أبي هريرة أخرجه أيضا ابن حبان ، وهو من حديث عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة . قال البخاري فيما حكاه الترمذي : أخطأ فيه عبد الرزاق واختصره عن معمر من حديث { إن سليمان بن داود عليه السلام قال : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة الحديث ، وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو قال : إن شاء الله لم يحنث } وهو في الصحيح وله طرق أخرى رواها الشافعي وأحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم من حديث ابن عمر كما ذكره المصنف في الباب قال الترمذي : لا نعلم أحدا رفعه غير أيوب السختياني . وقال ابن علية : كان أيوب تارة يرفعه وتارة لا يرفعه قال : ورواه مالك وعبيد الله بن عمر وغير واحد موقوفا . قال الحافظ : هو في الموطأ كما قال البيهقي وقال : لا يصح رفعه إلا عن أيوب مع أنه شك فيه ، وتابعه على لفظه [ ص: 253 ] العمري عبد الله وموسى بن عقبة وكثير بن فرقد وأيوب بن موسى ، وقد صححه ابن حبان وحديث ابن عمر رجاله رجال الصحيح ، وله طرق كما ذكره صاحب الأطراف وهو أيضا في سنن أبي داود في الأيمان والنذور لا كما قال المصنف

                                                                                                                                            وحديث عكرمة قال أبو داود : إنه قد أسنده غير واحد عن عكرمة عن ابن عباس ، وقد رواه البيهقي موصولا ومرسلا قال ابن أبي حاتم في العلل : الأشبه إرساله . وقال ابن حبان في الضعفاء : رواه مسعر وشريك أرسله مرة ووصله أخرى قوله : ( لم يحنث ) فيه دليل على أن التقييد بمشيئة الله مانع من انعقاد اليمين أو يحل انعقادها . وقد ذهب إلى ذلك الجمهور وادعى عليه ابن العربي الإجماع ، قال : أجمع المسلمون على أن قوله : " إن شاء الله " يمنع انعقاد اليمين بشرط كونه متصلا . قال : ولو جاز منفصلا كما روى بعض السلف لم يحنث أحد قط في يمين ولم يحتج إلى كفارة

                                                                                                                                            قال : واختلفوا في الاتصال ، فقال مالك والأوزاعي والشافعي والجمهور : هو أن يكون قوله إن شاء الله متصلا باليمين من غير سكوت بينهما ، ولا يضر سكتة النفس . وعن طاووس والحسن وجماعة من التابعين أن له الاستثناء ما لم يقم من مجلسه وقال قتادة : ما لم يقم أو يتكلم

                                                                                                                                            وقال عطاء : قدر حلبة ناقة وقال سعيد بن جبير : يصح بعد أربعة أشهر وعن ابن عباس : له الاستثناء أبدا ، ولا فرق بين الحلف بالله أو بالطلاق أو العتاق أن التقييد بالمشيئة يمنع الانعقاد ، وإلى ذلك ذهب الجمهور . وبعضهم فصل . واستثنى أحمد العتاق قال : لحديث { إذا قال أنت طالق إن شاء الله لم تطلق ، وإن قال لعبده أنت حر إن شاء الله فإنه حر } وقد تفرد به حميد بن مالك وهو مجهول كما قال البيهقي

                                                                                                                                            وذهبت الهادوية إلى أن التقييد بالمشيئة يعتبر فيه مشيئة الله في تلك الحال باعتبار ما يظهر من الشريعة ، فإن كان ذلك الأمر الذي حلف على تركه وقيد الحلف بالمشيئة محبوبا لله فعله لم يحنث بالفعل ، وإن كان محبوبا لله تركه لم يحنث بالترك ، فإذا قال : والله ليتصدقن إن شاء الله حنث بترك الصدقة لأن الله يشاء التصدق في الحال ، وإن حلف ليقطعن رحمه إن شاء الله لم يحنث بترك القطع لأن الله يشاء ذلك الترك

                                                                                                                                            وقال المؤيد بالله : معنى التقييد بالمشيئة : بقاء الحالف في الحياة وقتا يمكنه الفعل ، فإذا بقي ذلك القدر حنث الحالف على الفعل بالترك ، وحنث الحالف على الترك بالفعل . والظاهر من أحاديث الباب أن التقييد إنما يفيد إذا وقع بالقول ، كما ذهب إليه الجمهور لا بمجرد النية إلا ما زعمه بعض المالكية عن مالك أن قياس قوله صحة الاستثناء بالنية

                                                                                                                                            وعند الهادوية في ذلك تفصيل معروف . وقد بوب البخاري على ذلك فقال : باب النية في الأيمان قوله : ( ثم سكت ثم قال إن شاء الله ) لم يقيد هذا السكوت بالعذر ، بل ظاهره السكوت اختيارا لا اضطرارا فيدل على جواز ذلك




                                                                                                                                            الخدمات العلمية