الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( ومن شرطهما القيام مع القدرة ، والفصل بينهما بجلسة ; لما روى جابر بن سمرة قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم ويقرأ آيات ويذكر الله - تعالى - } ، ولأنه أحد فرضي الجمعة ، فوجب عليه فيه القيام والقعود كالصلاة ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث جابر هذا صحيح رواه مسلم ولكن قال : يقرأ القرآن ويذكر الناس والباقي سواء ، وجابر وأبوه سمرة صحابيان رضي الله عنهما .

                                      قال الشافعي والأصحاب : يشترط لصحة الخطبتين القيام فيهما مع القدرة ، والجلوس بينهما مع القدرة .

                                      فإن عجز عن القيام استحب له أن يستخلف ، فإن خطب قاعدا أو مضطجعا للعجز جاز بلا خلاف كالصلاة .

                                      قال أصحابنا : ويصح الاقتداء به حينئذ ، سواء صرح بأنه لا يستطيع القيام أم سكت ; لأن الظاهر أن قعوده للعجز ، فإن بان أنه كان قادرا على القيام قال أصحابنا : فهو كما لو بان محدثا ، والمذهب أنه تصح صلاتهم إن تم العدد [ ص: 384 ] دونه ، وإن نقص لم تصح بلا خلاف ، ولا تصح صلاته على التقديرين .

                                      قال الشافعي وأصحابنا : فلو علموا قدرته على القيام لم تصح صلاتهم ، وإن ظهر لهم قدرته فأخبرهم بعجزه اعتمدوه وصحت صلاتهم ، قال الشافعي والشيخ أبو حامد والبندنيجي وصاحب العدة وغيرهم : فإن علم بعضهم دون بعض بقدرته لم تصح صلاة العالمين ، وتصح صلاة الآخرين إن تم بهم العدد وإلا فلا .

                                      وحكى الرافعي وجها أن الخطبة تصح قاعدا مع القدرة على القيام ، وهو شاذ ضعيف أو باطل .

                                      وأما الجلوس بينهما فواجب بالاتفاق ، وتجب الطمأنينة فيه ، صرح به إمام الحرمين وآخرون قال أصحابنا : وهذا الجلوس خفيف جدا قدر سورة الإخلاص تقريبا ، والواجب منه قدر الطمأنينة .

                                      هذا هو الصحيح المشهور نص عليه الشافعي وقطع به ، وفيه وجه أنه يشترط كونه قدر سورة الإخلاص ، حكاه الرافعي قال : وحكى بعضهم أيضا عن نص الشافعي وهو ضعيف .

                                      قال أصحابنا : فإن خطب قاعدا للعجز فصل بينهما بسكتة ولا يجوز أن يضطجع ، والمشهور الذي قطع به الجمهور أن هذه السكتة واجبة ليحصل الفصل وذكر الماوردي وغيره وجها أنها لا تجب ، وأنه لو وصل كلامه في الخطبتين صحتا ; لأنه تخلله سكتات غير مقصودة ، وقال القاضي أبو الطيب : تستحب هذه السكتة .

                                      وحكى الرافعي وجها أنه لو خطب قائما كفاه الفصل بسكتة [ من ] غير جلوس وهو شاذ مردود .

                                      ( فرع ) ذكرنا أن مذهبنا وجوب القيام في الخطبتين والجلوس بينهما ولا تصح إلا بهما وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد : تصح قاعدا مع القدرة .

                                      قالوا : والقيام سنة وكذا الجلوس بينهما سنة عندهم ، وبه قال جمهور العلماء حتى إن الطحاوي قال : لم يقل أحد غير الشافعي باشتراط الجلوس بينهما .

                                      قال القاضي عياض : وعن مالك رواية أن الجلوس بينهما شرط ، وكذا القيام .

                                      ودليلنا أنه صلى الله عليه وسلم قال { صلوا كما رأيتموني أصلي } مع الأحاديث الصحيحة المشهورة أنه صلى الله عليه وسلم { كان يخطب خطبتين قائما يجلس بينهما } .




                                      الخدمات العلمية