الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          المسألة الأولى

          قوله - صلى الله عليه وسلم - لغيلان وقد أسلم على عشر نسوة : " أمسك أربعا وفارق سائرهن " [1] وقوله لفيروز الديلمي ، وقد أسلم على أختين : " أمسك أيتهما شئت ، وفارق الأخرى " [2] أمر بالإمساك وهو ظاهر في استصحاب النكاح ، وقد تأوله أصحاب أبي حنيفة بثلاث تأويلات ، الأول : أنهم قالوا يحتمل أنه أراد بالإمساك ابتداء النكاح ، ويكون معنى قوله " أمسك أربعا " أي انكح منهن أربعا ، وأراد بقوله " وفارق سائرهن " لا تنكحهن .

          [ ص: 55 ] الثاني : أنهم قالوا يحتمل أن النكاح في الصورتين كان واقعا في ابتداء الإسلام قبل حصر عدد النساء في أربع وتحريم نكاح الأختين ، فكان ذلك واقعا على وجه الصحة ، والباطل من أنكحة الكفار ليس إلا ما كان مخالفا لما ورد به الشرع حال وقوعها .

          الثالث : أنهم قالوا : يحتمل أنه أمر الزوج باختيار أوائل النساء ، وهذه التأويلات وإن كانت منقدحة عقلا غير أن ما اقترن بلفظ الإمساك من القرائن دارئة لها .

          أما التأويل الأول فمن وجوه ، الأول : أن المتبادر إلى الفهم من لفظ ( الإمساك ) إنما هو الاستدامة دون التجديد .

          الثاني : أنه فوض الإمساك والفراق إلى خيرة الزوج ، وهما غير واقعين بخيرته عندهم ؛ لوقوع الفراق بنفس الإسلام وتوقف النكاح على رضا الزوجة .

          الثالث : أنه لم يذكر شروط النكاح مع دعو الحاجة إلى معرفة ذلك لقرب عهدهم بالإسلام .

          الرابع : أنه أمر الزوج بإمساك أربع من العشر ، وواحدة من الأختين ، وبمفارقة الباقي ، والأمر إما للوجوب أو الندب ظاهرا على ما تقدم ، وحصر التزويج في العشرة وفي الأختين ليس واجبا ولا مندوبا ، والمفارقة ليست من فعل الزوج ، حتى يكون الأمر متعلقا بها .

          الخامس : هو أن الظاهر من الزوج المأمور إنما هو امتثال أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإمساك ، ولم ينقل أحد من الرواة تجديد النكاح في الصور المذكورة .

          السادس : هو أن الزوج إنما سأل عن الإمساك بمعنى الاستدامة لا بمعنى تجديد النكاح ، وعن الفراق بمعنى انقطاع النكاح .

          والأصل في جواب الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يكون مطابقا للسؤال .

          وأما التأويل الثاني فبعيد أيضا ، لأنه لو لم يكن الحصر في ابتداء الإسلام لما خلا ابتداء الإسلام عن الزيادة على الأربع عادة ، وعن الجمع بين الأختين ولم ينقل عن أحد من الصحابة ذلك في ابتداء الإسلام ، ولو وقع لنقل .

          وقوله تعالى ( وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ) قال أهل التفسير : المراد به ما سلف في الجاهلية قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - .

          ولهذا قال : ( إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ) .

          [ ص: 56 ] وأما التأويل الثالث فيدرؤه قوله - صلى الله عليه وسلم - لزوج الأختين " أمسك أيتهما شئت وفارق الأخرى " وقوله لواحد كان قد أسلم على خمس نسوة " اختر منهن أربعا ، وفارق واحدة " [3] قال المأمور بذلك فعمدت إلى أقدمهن عندي ، ففارقتها .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية