الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                كذبت ثمود بالنذر فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر سيعلمون غدا من الكذاب الأشر إنا مرسلو الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر

                                                                                                                                                                                                [ ص: 660 ] أبشرا منا واحدا نصب بفعل مضمر يفسره "نتبعه" وقرئ: (أبشر منا واحد) على الابتداء. و (نتبعه) خبره، والأول أوجه للاستفهام. كان يقول: إن لم تتبعوني كنتم في ضلال عن الحق، وسعر: ونيران، جمع سعير، فعكسوا عليه فقالوا: إن اتبعناك كنا إذن كما تقول. وقيل: الضلال: الخطأ والبعد عن الصواب. والسعر: الجنون. يقال: ناقة مسعورة. قال [من الطويل]:


                                                                                                                                                                                                كأن بها سعرا إذا العيس هزها ذميل وإرخاء من السير متعب



                                                                                                                                                                                                فإن قلت: كيف أنكروا أن يتبعوا بشرا منهم واحدا؟ قلت: قالوا أبشرا: إنكارا لأن يتبعوا مثلهم في الجنسية، وطلبوا أن يكون من جنس أعلى من جنس البشر وهم الملائكة، وقالوا: "منا"; لأنه إذا كان منهم كانت المماثلة أقوى، وقالوا: "واحدا" إنكارا لأن تتبع الأمة رجلا واحدا، أو أرادوا واحدا من أفنائهم ليس بأشرفهم وأفضلهم، ويدل عليه قولهم: أألقي الذكر عليه من بيننا أي أنزل عليه الوحي من بيننا وفينا من هو أحق منه بالاختيار للنبوة "أشر" بطر متكبر، حمله بطره وشطارته وطلبه التعظم علينا على ادعاء ذلك سيعلمون غدا عند نزول العذاب بهم أو يوم القيامة من الكذاب الأشر أصالح أم من كذبه. وقرئ: (ستعلمون) بالتاء على حكاية ما قال لهم صالح مجيبا لهم، أو هو كلام الله تعالى على سبيل الالتفات. وقرئ: (الأشر) بضم الشين، كقولهم حدث وحدث. وحذر وحذر، وأخوات لها. وقرئ: (الأشر) وهو الأبلغ في الشرارة. والأخير والأشر: أصل قولهم: هو خير منه وأشر منه، وهو أصل مرفوض، وقد حكى ابن الأنباري قول العرب: هو أخير وأشر، وما أخيره وما أشره مرسلو الناقة باعثوها ومخرجوها من الهضبة كما سألوا فتنة لهم امتحانا لهم وابتلاء "فارتقبهم" فانتظرهم وتبصر ما هم صانعون "واصطبر" على أذاهم ولا تعجل حتى يأتيك أمري قسمة بينهم مقسوم بينهم: لها شرب يوم ولهم شرب يوم. وإنما قال: بينهم، تغليبا للعقلاء "محتضر" محضور لهم أو للناقة. وقيل: يحضرون الماء في نوبتهم واللبن في نوبتها "صاحبهم" قدار بن سالف [ ص: 661 ] أحيمر ثمود "فتعاطى" فاجترأ على تعاطي الأمر العظيم غير مكترث له، فأحدث العقر بالناقة. وقيل فتعاطى الناقة فعقرها، أو فتعاطى السيف صيحة واحدة صيحة جبريل. والهشيم: الشجر اليابس المتهشم المتكسر. والمحتظر: الذي يعمل الحظيرة وما يحتظر به ييبس بطول الزمان وتتوطؤه البهائم فيتحطم ويتهشم. وقرأ الحسن بفتح الظاء وهو موضع الاحتظار، أي: الحظيرة.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية