الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3829 [ ص: 581 ] باب: في إيثار الضيف

                                                                                                                              وقال النووي : (باب إكرام الضيف وفضل إيثاره) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 11 : 13 ج 14 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني مجهود. فأرسل إلى بعض نسائه. فقالت: والذي بعثك بالحق! ما عندي إلا ماء. ثم أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك. حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق! ما عندي إلا ماء. فقال: "من يضيف هذا، الليلة، رحمه الله". فقام رجل من الأنصار، فقال: أنا. يا رسول الله ! فانطلق به إلى رحله. فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا. إلا قوت صبياني . قال: فعلليهم بشيء. فإذا دخل ضيفنا، فأطفئي السراج، وأريه أنا نأكل. فإذا أهوى ليأكل، فقومي إلى السراج حتى تطفئيه. قال: فقعدوا وأكل الضيف. فلما أصبح، غدا على النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: "قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما، الليلة" ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ؛ ( قال : جاء أعرابي إلى [ ص: 582 ] رسول الله صلى الله عليه) وآله ( وسلم ، فقال : إني مجهود) . أي : أصابني الجهد . وهو المشقة ، والحاجة ، وسوء العيش ، والجوع.

                                                                                                                              ( فأرسل إلى بعض نسائه . فقالت : والذي بعثك بالحق ! ما عندي إلا ماء . ثم أرسل إلى أخرى ، فقالت مثل ذلك . حتى قلن كلهن مثل ذلك : لا. والذي بعثك بالحق ! ما عندي إلا ماء) .

                                                                                                                              فيه : ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته ، من الزهد في الدنيا . والصبر على الجوع. وضيق حال الدنيا .

                                                                                                                              ( فقال : من يضيف هذا ، الليلة ، رحمه الله تعالى) .

                                                                                                                              فيه : أنه ينبغي لكبير القوم : أن يبدأ في مواساة الضيف ، ومن يطرقهم ؛ فيواسيه من ماله أولا بما تيسر ، إن أمكنه . ثم يطلب له - على سبيل التعاون على البر والتقوى - من أصحابه .

                                                                                                                              وفيه : المواساة في حال الشدائد ، وفضيلة إكرام الضيف ، وإيثاره .

                                                                                                                              ( فقام رجل من الأنصار ، فقال : أنا . يا رسول الله ! فانطلق به إلى رحله) . أي : منزله . ورحل الإنسان : هو منزله من حجر ، أو مدر ، أو شعر ، أو وبر .

                                                                                                                              ( فقال لامرأته : هل عندك شيء ؟ قالت : لا. إلا قوت صبياني . قال : فعلليهم بشيء) . هذا محمول ؛ على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين [ ص: 583 ] إلى الأكل ، وإنما تطلبه أنفسهم على عادة الصبيان ، من غير جوع يضرهم . فإنهم لو كانوا على حاجة ؛ بحيث يضرهم ترك الأكل : لكان إطعامهم واجبا . ويجب تقديمه على الضيافة . وقد أثنى الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ على هذا الرجل وامرأته ، فدل على أنهما لم يتركا واجبا . بل أحسنا وأجملا ، رضي الله عنهما .

                                                                                                                              ( فإذا دخل ضيفنا ، فأطفئي السراج ، وأريه أنا نأكل . فإذا أهوى ليأكل ؛ فقومي إلى السراج حتى تطفئيه . قال : فقعدوا وأكل الضيف) .

                                                                                                                              فيه : أنهما آثراه على أنفسهما برضاهما ؛ مع حاجتهما وخصاصتهما . فمدحهما الله تعالى ، وأنزل فيهما : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) .

                                                                                                                              فيه : فضيلة " الإيثار " والحث عليه .

                                                                                                                              قال النووي : وقد أجمع العلماء على فضيلة الإيثار بالطعام ، ونحوه من أمور الدنيا ، وحظوظ النفس . أما " القربات " ؛ فالأفضل أن يؤثر بها . لأن الحق فيها لله تعالى .

                                                                                                                              ( فلما أصبح ، غدا على النبي صلى الله عليه وآله ( وسلم . فقال : " قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما ؛ الليلة ") .

                                                                                                                              [ ص: 584 ] فيه : معجزة ظاهرة ، لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . حيث أخبر بهذه القصة ، قبل أن يخبره بها الأنصاري .

                                                                                                                              قال عياض : المراد بالعجب من الله : رضاه ذلك . قال : وقد يكون المراد : عجبت الملائكة . وأضافه إليه سبحانه تشريفا . انتهى .

                                                                                                                              وأقول : هذا هو التأويل ، الذي اختاره الخلف لأحاديث الصفات ؛ من غير قرآن ولا برهان . وقد درج السلف الصالح على إجرائها ، وإمرارها على ظاهرها ، من دون تشبيه ولا تأويل ولا تكييف ولا تمثيل . وهو الحق البحت ، والصواب الصرف ، في هذا الباب . وما لنا وللتأويل ، الذي هو في الحقيقة فرع التكذيب . ويكفينا في هذه المسائل : أن نؤمن بها كما جاءت . ولا نقول : كيف وكذا ؟.




                                                                                                                              الخدمات العلمية