الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله (تعالى): وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ؛ يدل على أن غير الله (تعالى) يجوز أن يسمى بهذا الاسم; لأن الله (تعالى) سمى يحيى "سيدا"؛ والسيد هو الذي تجب طاعته؛ وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال للأنصار - حين أقبل سعد بن معاذ للحكم بينه وبين بني قريظة -: "قوموا إلى سيدكم"؛ وقال - صلى الله عليه وسلم - للحسن : "إن ابني هذا سيد"؛ وقال لبني سلمة: "من سيدكم يا بني سلمة؟"؛ قالوا: الحر بن قيس؛ على بخل فيه؛ قال: "وأي داء أدوى من البخل؟ ولكن سيدكم الجعد الأبيض؛ عمرو بن الجموح فهذا كله يدل على أن من تجب طاعته يجوز أن يسمى "سيدا"؛ وليس السيد هو المالك فحسب; لأنه لو كان كذلك لجاز أن يقال: سيد الدابة؛ وسيد الثوب؛ كما يقال: سيد العبد.

وقد روي أن وفد بني عامر قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: أنت سيدنا؛ وذو الطول علينا؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "السيد هو الله؛ تكلموا بكلامكم؛ ولا يستهوينكم الشيطان"؛ وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل السادة من بني آدم؛ ولكنه رآهم متكلفين لهذا القول؛ فأنكره عليهم؛ كما قال: "أبغضكم إلي الثرثارون؛ المتشدقون؛ المتفيهقون"؛ فكره لهم تكلف الكلام على وجه التصنع؛ وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا تقولوا للمنافق سيدا؛ فإنه إن يك سيدا فقد هلكتم"؛ فنهى أن يسمى المنافق سيدا; لأنه لا تجب [ ص: 293 ] طاعته؛ فإن قيل: قال الله (تعالى): ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ؛ فسموهم سادات؛ وهم ضلال؛ قيل له: لأنهم أنزلوهم منزلة من تجب طاعته؛ وإن لم يكن مستحقا لها؛ فكانوا عندهم؛ وفي اعتقادهم؛ ساداتهم؛ كما قال (تعالى): فما أغنت عنهم آلهتهم ؛ ولم يكونوا آلهة؛ ولكنهم سموهم آلهة؛ فأجرى الكلام على ما كان في زعمهم؛ واعتقادهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية