الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              1998 24 - باب الإفاضة في الحج

                                                              133 \ 1915 - عن ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر، ثم صلى الظهر بمنى يعني راجعا .

                                                              وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي بنحوه، ولفظ البخاري مختصر .

                                                              التالي السابق




                                                              قال ابن القيم رحمه الله: هكذا قال ابن عمر، وقال جابر في حديثه الطويل: ثم أفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر رواه مسلم. وقالت عائشة: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى، فمكث بها الحديث، وسيأتي.

                                                              فاختلف الناس في ذلك، فرجحت طائفة - منهم ابن حزم وغيره، - حديث جابر وأنه صلى الظهر بمكة.

                                                              قالوا: وقد وافقته عائشة، واختصاصها به وقربها منه، واختصاص جابر، وحرصه على الاقتداء به، أمر لا يرتاب فيه.

                                                              قالوا: ولأنه صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة وحلق رأسه، وخطب الناس، ونحر مائة بدنة هو وعلي، وانتظر حتى سلخت، وأخذ من كل بدنة بضعة، فطبخت وأكلا من لحمها.

                                                              [ ص: 397 ] قال ابن حزم: وكانت حجته في آذار، ولا يتسع النهار لفعل هذا جميعه، مع الإفاضة إلى البيت والطواف وصلاة الركعتين، ثم يرجع إلى منى، ووقت الظهر باق.

                                                              وقالت طائفة، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره: الذي يترجح أنه إنما صلى الظهر بمنى، لوجوه:

                                                              أحدها: أنه لو صلى الظهر بمكة لنابه عنه في إمامة الناس بمنى إمام يصلي بهم الظهر، ولم ينقل ذلك قط. ومحال أن يصلي بالمسلمين الظهر بمنى نائب له، ولا ينقله أحد، فقد نقل الناس نيابة عبد الرحمن بن عوف، لما صلى بهم الفجر في السفر، ونيابة الصديق لما خرج صلى الله عليه وسلم يصلح بين بني عمرو بن عوف، ونيابته في مرضه، ولا يحتاج إلى ذكر من صلى بهم بمكة، لأن إمامهم الراتب، الذي كان مستمرا على الصلاة قبل ذلك وبعده، هو الذي كان يصلي بهم.

                                                              الثاني: أنه لو صلى بهم بمكة لكان أهل مكة مقيمين، فكان يتعين عليهم الإتمام، ولم يقل لهم النبي صلى الله عليه وسلم : أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر كما قاله في [ ص: 398 ] غزاة الفتح.

                                                              الثالث: أنه يمكن اشتباه الظهر المقصورة بركعتي الطواف، ولا سيما والناس يصلونهما معه، ويقتدون به فيهما فظنهما الرائي الظهر. وأما صلاته بمنى والناس خلفه فهذه لا يمكن اشتباهها بغيرها أصلا، لا سيما وهو صلى الله عليه وسلم كان إمام الحج الذي لا يصلي لهم سواه، فكيف يدعهم بلا إمام يصلون أفرادا ولا يقيم لهم من يصلي بهم ؟ هذا في غاية البعد.

                                                              وأما حديث عائشة فقد فهم منه جماعة - منهم المحب الطبري وغيره - أنه صلى الظهر بمنى، ثم أفاض إلى البيت بعد ما صلى الظهر، لأنها قالت: أفاض من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى .

                                                              [ ص: 399 ] قالوا: ولعله صلى الظهر بأصحابه، ثم جاء إلى مكة فصلى الظهر بمن لم يصل، كما قال جابر، ثم رجع إلى منى، فرأى قوما لم يصلوا فصلى بهم ثالثة، كما قال ابن عمر.

                                                              وهذه خرفشة في العلم، وطريقة يسلكها القاصرون فيه، وأما فحول أهل العلم، فيقطعون ببطلان ذلك، ويحيلون الاختلاف على الوهم والنسيان، الذي هو عرضة البشر، ومن له إلمام بالسنة ومعرفة حجه صلى الله عليه وسلم، يقطع بأنه لم يصل الظهر في ذلك اليوم ثلاث مرات بثلاث جماعات، بل ولا مرتين. وإنما صلاها على عادته المستمرة قبل ذلك اليوم وبعده، صلى الله عليه وسلم.

                                                              وفهم منه آخرون - منهم ابن حزم وغيره - أنه أفاض حين صلاها بمكة.

                                                              وفي نسخة من نسخ " السنن" : أفاض حتى صلى الظهر ثم رجع . وهذه الرواية ظاهرة في أنه صلاها بمكة، كما قال جابر، ورواية "حين" محتملة للأمرين، والله أعلم.




                                                              الخدمات العلمية