الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الناس ضرب مثل أي : بين لكم حال مستغربة أو قصة بديعة رائعة حقيقة بأن تسمى مثلا وتسير في الأمصار والأعصار ، أو جعل لله مثل ، أي : مثل في استحقاق العبادة ، وأريد بذلك ما حكي عنهم من عبادتهم للأصنام . فاستمعوا له أي : للمثل نفسه استماع تدبر وتفكر ، أو فاستمعوا لأجله ما أقول . فقوله تعالى : إن الذين تدعون من دون الله إلخ بيان للمثل وتفسير له على الأول ، وتعليل لبطلان جعلهم الأصنام مثل الله سبحانه في استحقاق العبادة على الثاني . وقرئ بياء الغيبة مبنيا للفاعل ومبنيا للمفعول ، والراجع إلى الموصول على الأولين محذوف .

                                                                                                                                                                                                                                      لن يخلقوا ذبابا أي : لن يقدروا على خلقه أبدا مع صغره وحقارته ، فإن "لن" بما فيها من تأكيد النفي دالة على منافاة ما بين المنفي والمنفي عنه . ولو اجتمعوا له أي : لخلقه ، وجواب "لو" محذوف لدلالة ما قبله عليه ، والجملة معطوفة على شرطية أخرى محذوفة ثقة بدلالة هذه عليها ، أي : لو لم يجتمعوا عليه لن يخلقوه ولو اجتمعوا له لن يخلقوه كما مر تحقيقه مرارا ، وهما في موضع الحال ، كأنه قيل : لن يخلقوا ذبابا [ ص: 121 ] على كل حال .

                                                                                                                                                                                                                                      وإن يسلبهم الذباب شيئا بيان لعجزهم عن الامتناع عما يفعل بهم الذباب بعد بيان عجزهم عن خلقه ، أي : إن يأخذ الذباب منهم شيئا لا يستنقذوه منه مع غاية ضعفه ، ولقد جهلوا غاية التجهيل في إشراكهم بالله القادر على جميع المقدورات المنفرد بإيجاد كافة الموجودات تماثيل هي أعجز الأشياء ، وبين ذلك بأنها لا تقدر على أقل الأحياء وأذلها ولو اتفقوا عليه ، بل لا تقوى على مقاومة هذا الأقل الأذل وتعجز عن ذبه عن نفسها واستنقاذ ما يختطفه منها . قيل : كانوا يطيبونها بالطيب والعسل ويغلقون عليها الأبواب فيدخل الذباب من الكوى فيأكله .

                                                                                                                                                                                                                                      ضعف الطالب والمطلوب أي : عابد الصنم ومعبوده ، أو الذباب الطالب لما يسلبه من الصنم من الطيب والصنم المطلوب منه ذلك ، أو الصنم والذباب كأنه يطلبه ليستنقذ منه ما يسلبه ، ولو حققت وجدت الصنم أضعف من الذباب بدرجات ، وعابده أجهل من كل جاهل وأضل من كل ضال .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية