[ ص: 27 ] nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=62nindex.php?page=treesubj&link=29000_32413الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم
هذا إلزام آخر لهم بإبطال شركهم وافتضاح تناقضهم ، فإنهم كانوا معترفين بأن الرازق هو الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=31قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ، إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=31فسيقولون الله فقل أفلا تتقون في سورة يونس . وإنما جاء أسلوب هذا الاستدلال مخالفا لأسلوب الذي قبله والذي بعده ، فعدل عن تركيب ولئن سألتهم تفننا في الأساليب لتجديد نشاط السامع .
وأدمج في الاستدلال على انفراده تعالى بالرزق التذكير بأنه تعالى يرزق عباده على حسب مشيئته دليلا على أنه المختار في تصرفه وليس ذلك على مقادير حاجاتهم ولا على ما يبدو من الانتفاع بما يرزقونه .
وبسط الرزق : إكثاره ، وقدره : تقليله . والمقصود : أنه الرازق لأحوال الرزق ، وقد تقدم في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=26الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر في سورة الرعد .
فجاءت هذه الآية على وزان قوله في سورة الروم :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=37أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون فجمع بين ضمير المشركين في أولها وبين كون الآيات للمؤمنين في آخرها .
وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=62الله يبسط الرزق لإفادة الاختصاص ، أي الله لا غيره يبسط الرزق ويقدر .
والتعبير بالمضارع لإفادة تجدد البسط والقدر .
وزيادة له بعد ويقدر في هذه الآية دون آية سورة الرعد وآية القصص للتعريض بتبصير المؤمنين الذين ابتلوا في أموالهم من اعتداء المشركين عليها كما أشار إليه قوله آنفا :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=60وكأين من دابة لا تحمل رزقها بأن ذلك القدر في الرزق هو لهم لا عليهم ؛ لما ينجر لهم منه من الثواب ورفع الدرجات ، فغلب في هذا الغرض جانب المؤمنين ؛ ولهذا لم يعد يقدر بحرف " على " كما هو مقتضى معنى القدر
[ ص: 28 ] كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله . وقال بعض المفسرين : إن المشركين عيروا المسلمين بالفقر ، وقيل : إن بعض المسلمين قالوا : إن هاجرنا لم نجد ما ننفق .
والضمير المجرور باللام عائد إلى من يشاء من عباده باعتبار أن من يشاء عام ليس بشخص معين لا سيما وقد بين عمومه بقوله : من عباده ، والمعنى : أنه يبسط الرزق لفريق ويقدر لفريق .
والتذييل بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=62إن الله بكل شيء عليم لإفادة أن ذلك كله جار على حكمة لا يطلع عليها الناس ، وأن الله يعلم صبر الصابرين وجزع الجازعين كما تقدم في قوله في أول السورة :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=3فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=186لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور .
[ ص: 27 ] nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=62nindex.php?page=treesubj&link=29000_32413اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
هَذَا إِلْزَامٌ آخَرُ لَهُمْ بِإِبْطَالِ شِرْكِهِمْ وَافْتِضَاحِ تَنَاقِضِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِأَنَّ الرَّازِقَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=31قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ ، إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=31فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ فِي سُورَةِ يُونُسَ . وَإِنَّمَا جَاءَ أُسْلُوبُ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ مُخَالِفًا لِأُسْلُوبِ الَّذِي قَبْلَهُ وَالَّذِي بَعْدَهُ ، فَعَدَلَ عَنْ تَرْكِيبِ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ تَفَنُّنًا فِي الْأَسَالِيبِ لِتَجْدِيدِ نَشَاطِ السَّامِعِ .
وَأُدْمِجَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِالرِّزْقِ التَّذْكِيرُ بِأَنَّهُ تَعَالَى يَرْزُقُ عِبَادَهُ عَلَى حَسَبِ مَشِيئَتِهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ فِي تَصَرُّفِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى مَقَادِيرِ حَاجَاتِهِمْ وَلَا عَلَى مَا يَبْدُو مِنَ الِانْتِفَاعِ بِمَا يُرْزَقُونَهُ .
وَبَسْطُ الرِّزْقِ : إِكْثَارُهُ ، وَقَدْرُهُ : تَقْلِيلُهُ . وَالْمَقْصُودُ : أَنَّهُ الرَّازِقُ لِأَحْوَالِ الرِّزْقِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=26اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ .
فَجَاءَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى وِزَانِ قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الرُّومِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=37أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فَجَمَعَ بَيْنَ ضَمِيرِ الْمُشْرِكِينَ فِي أَوَّلِهَا وَبَيْنَ كَوْنِ الْآيَاتِ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي آخِرِهَا .
وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=62اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ ، أَيْ اللَّهُ لَا غَيْرُهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ وَيَقْدِرُ .
وَالتَّعْبِيرُ بِالْمُضَارِعِ لِإِفَادَةِ تَجَدُّدِ الْبَسْطِ وَالْقَدْرِ .
وَزِيَادَةُ لَهُ بَعْدَ وَيَقْدِرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دُونَ آيَةِ سُورَةِ الرَّعْدِ وَآيَةِ الْقَصَصِ لِلتَّعْرِيضِ بِتَبْصِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ ابْتُلُوا فِي أَمْوَالِهِمْ مِنِ اعْتِدَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهَا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ آنِفًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=60وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا بِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ فِي الرِّزْقِ هُوَ لَهُمْ لَا عَلَيْهِمْ ؛ لِمَا يَنْجَرُّ لَهُمْ مِنْهُ مِنَ الثَّوَابِ وَرَفْعِ الدَّرَجَاتِ ، فَغُلِّبَ فِي هَذَا الْغَرَضِ جَانِبُ الْمُؤْمِنِينَ ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُعَدَّ يَقْدِرُ بِحَرْفِ " عَلَى " كَمَا هُوَ مُقْتَضَى مَعْنَى الْقَدْرِ
[ ص: 28 ] كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ . وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّ الْمُشْرِكِينَ عَيَّرُوا الْمُسْلِمِينَ بِالْفَقْرِ ، وَقِيلَ : إِنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا : إِنْ هَاجَرْنَا لَمْ نَجِدْ مَا نُنْفِقُ .
وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِاللَّامِ عَائِدٌ إِلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَنْ يَشَاءُ عَامٌّ لَيْسَ بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ لَا سِيَّمَا وَقَدْ بَيَّنَ عُمُومَهُ بِقَوْلِهِ : مِنْ عِبَادِهِ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِفَرِيقٍ وَيَقْدِرُ لِفَرِيقٍ .
وَالتَّذْيِيلُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=62إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ لِإِفَادَةِ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ جَارٍ عَلَى حِكْمَةٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا النَّاسُ ، وَأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ صَبْرَ الصَّابِرِينَ وَجَزَعَ الْجَازِعِينَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=3فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=186لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ .