الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون

لما اتضحت الحجة على المشركين بأن الله منفرد بالخلق والرزق والإحياء والإماتة ، ولزم من ذلك أن ليس لأصنامهم شرك في هذه الأفعال التي هي أصول نظام ما على الأرض من الموجودات - فكان ذلك موجبا لإبطال شركهم بما لا يستطيعون إنكاره ولا تأويله بعد أن قرعت أسماعهم دلائله وهم واجمون لا يبدون تكذيبا ، فلزم من ذلك صدق الرسول - عليه الصلاة والسلام - فيما دعاهم إليه وكذبهم فيما تطاولوا به عليه في أمر الله ورسوله بأن يحمده على أن نصره بالحجة نصرا يؤذن بأنه سينصره بالقوة . وتلك نعمة عظيمة تستحق أن يحمد الله عليها ؛ إذ [ ص: 30 ] هو الذي لقنها رسوله - صلى الله عليه وسلم - بكتابه وما كان يدري ما الكتاب ولا الإيمان .

فهذا الحمد المأمور به متعلقه محذوف تقديره : الحمد لله على ذلك ، وهو الحجج المتقدمة ، وليس خاصا بحجة إنزال الماء من السماء ، وكذلك شأن القيود الواردة بعد جمل متعددة أن ترجع إلى جميعها ، وكذلك ترجع معها متعلقاتها - بكسر اللام - وقرينة المقام كنار على علم ، ألا ترى أن كل حجة من تلك الحجج تستأهل أن يحمد الله على إقامتها ؟ فلا تختص بالحمد حجة إنزال المطر ، فقد قال تعالى في سورة لقمان : ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون فلذلك لا يجعل قوله : قل الحمد لله اعتراضا .

و بل أكثرهم لا يعقلون إضراب انتقال من حمد الله على وضوح الحجج إلى ذم المشركين بأن أكثرهم لا يتفطنون لنهوض تلك الحجج الواضحة ، فكأنهم لا عقل لهم ؛ لأن وضوح الحجج يقتضي أن يفطن لنتائجها كل ذي مسكة من عقل ، فنزلوا منزلة من لا عقول لهم .

وإنما أسند عدم العقل إلى أكثرهم دون جميعهم ؛ لأن من عقلائهم وأهل الفطن منهم من وضحت له تلك الحجج ، فمنهم من آمنوا ، ومنهم من أصروا على الكفر عنادا .

التالي السابق


الخدمات العلمية