[ ص: 32 ] nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65nindex.php?page=treesubj&link=29000فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=66ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون
أفادت الفاء تفريع ما بعدها على ما قبلها ، والمفرع عليه محذوف ليس هو واحدا من الأخبار المتقدمة بخصوصه ، ولكنه مجموع ما تدل عليه قوة الحديث عنهم وما تقتضيه الفاء ، والتقدير : هم " أي المشركون " على ما وصفوا به من الغفلة عن دلائل الوحدانية وإلغائهم ما في أحوالهم من دلائل الاعتراف لله بها - لا يضرعون إلا إلى الله ، فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله ، فضمائر جمع الغائبين عائدة إلى المشركين .
وهذا انتقال إلى إلزامهم بما يقتضيه دعاؤهم حين لا يشركون فيه إلها آخر مع الله بعد إلزامهم بموجبات اعترافاتهم ، فإنهم يدعون أصنامهم في شئون من أحوالهم ويستنصرونهم ، ولكنهم إذا أصابهم هول توجهوا بتضرعهم إلى الله .
وإنما خص بالذكر حال خوفهم من هول البحر في هذه الآية وفي آيات كثيرة مثل ما في سورة
يونس وما في سورة الإسراء لأن أسفارهم في البر كانوا لا يعتريهم فيها خوف يعم جميع السفر ؛ لأنهم كانوا يسافرون قوافل ، معهم سلاحهم ، ويمرون بسبل يألفونها فلا يعترضهم خوف عام ، فأما سفرهم في البحر فإنهم يفرقون من هوله ولا يدفعه عنهم وفرة عدد ولا قوة عدد ، فهم يضرعون إلى الله بطلب النجاة ، ولعلهم لا يدعون أصنامهم حينئذ .
فأما تسخير المخلوقات فما كانوا يطمعون به إلا من الله تعالى ، وأيضا كان يخامرهم الخوف عند ركوبهم في البحر لقلة الفهم بركوبه ؛ إذ كان معظم أسفارهم في البراري .
وقد تقدم تعدية الركوب بحرف " في " عند قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=41وقال اركبوا فيها في سورة هود . والإخلاص : التمحيض والإفراد .
والدين : المعاملة . والمراد به هنا الدعاء ، أي دعوا الله غير مشركين معه أصنامهم . ويفسر ذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون .
[ ص: 33 ] فجيء بحرف المفاجأة للدلالة على أنهم ابتدروا إلى الإشراك في حين حصولهم في البر ، أي أسرعوا إلى ما اعتادوه من زيارة أصنامهم والذبح لها . والمفاجأة عرفية بحسب ما يقتضيه الإرساء في البر والوصول إلى مواطنهم ، فكانوا يبادرون بإطعام الطعام عند الرجوع من السفر .
واللام في " ليكفروا " لام التعليل وهي لام كي ، وهي متعلقة بفعل يشركون ، والكفر هنا ليس هو الشرك ، ولكنه
nindex.php?page=treesubj&link=33147_29485_20698_32409كفران النعمة بقرينة قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=66بما آتيناهم فإن الإيتاء بمعنى الإنعام ، وبقرينة تفريعه على " يشركون " ، فالعلة مغايرة للمعلول ، وكفران النعمة مسبب عن الإشراك ؛ لأنهم لما بادروا إلى شئون الإشراك فقد أخذوا يكفرون النعمة ، فاللام استعارة تبعية ; شبه المسبب بالعلة الباعثة فاستعير له حرف التعليل عوضا عن فاء التفريع .
وأما اللام في قوله : وليتمتعوا بكسر اللام على أنها لام التعليل في قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=17274ورش عن
نافع ،
وأبي عمرو ،
وابن عامر ،
وعاصم ،
وأبي جعفر ،
ويعقوب . وقرأه
nindex.php?page=showalam&ids=16810قالون عن
نافع ،
وابن كثير ،
وحمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ،
وخلف بسكونها ، فهي لام الأمر ، وهي بعد حرف العطف تسكن وتكسر ، وعليه فالأمر مستعمل في التهديد نظير قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=40اعملوا ما شئتم وهو عطف جملة التهديد على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فلما نجاهم إلى البر إلخ . . . نظير قوله في سورة الروم : "
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=34ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون " .
والتمتع : الانتفاع القصير زمنه .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=66فسوف يعلمون تفريع على التهديد بالوعيد .
[ ص: 32 ] nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65nindex.php?page=treesubj&link=29000فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=66لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلْيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ
أَفَادَتِ الْفَاءُ تَفْرِيعَ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا ، وَالْمُفَرَّعُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ لَيْسَ هُوَ وَاحِدًا مِنَ الْأَخْبَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِخُصُوصِهِ ، وَلَكِنَّهُ مَجْمُوعُ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ قُوَّةُ الْحَدِيثِ عَنْهُمْ وَمَا تَقْتَضِيهِ الْفَاءُ ، وَالتَّقْدِيرُ : هُمْ " أَيِ الْمُشْرِكُونَ " عَلَى مَا وُصِفُوا بِهِ مِنَ الْغَفْلَةِ عَنْ دَلَائِلِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَإِلْغَائِهِمْ مَا فِي أَحْوَالِهِمْ مِنْ دَلَائِلِ الِاعْتِرَافِ لِلَّهِ بِهَا - لَا يَضْرَعُونَ إِلَّا إِلَى اللَّهِ ، فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ ، فَضَمَائِرُ جَمْعِ الْغَائِبِينَ عَائِدَةٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ .
وَهَذَا انْتِقَالٌ إِلَى إِلْزَامِهِمْ بِمَا يَقْتَضِيهِ دُعَاؤُهُمْ حِينَ لَا يُشْرِكُونَ فِيهِ إِلَهًا آخَرَ مَعَ اللَّهِ بَعْدَ إِلْزَامِهِمْ بِمُوجِبَاتِ اعْتِرَافَاتِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ يَدْعُونَ أَصْنَامَهُمْ فِي شُئُونٍ مِنْ أَحْوَالِهِمْ وَيَسْتَنْصِرُونَهُمْ ، وَلَكِنَّهُمْ إِذَا أَصَابَهُمْ هَوْلٌ تَوَجَّهُوا بِتَضَرُّعِهِمْ إِلَى اللَّهِ .
وَإِنَّمَا خَصَّ بِالذِّكْرِ حَالَ خَوْفِهِمْ مِنْ هَوْلِ الْبَحْرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَفِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِثْلَ مَا فِي سُورَةِ
يُونُسَ وَمَا فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ لِأَنَّ أَسْفَارَهُمْ فِي الْبَرِّ كَانُوا لَا يَعْتَرِيهِمْ فِيهَا خَوْفٌ يَعُمُّ جَمِيعَ السَّفَرِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَافِرُونَ قَوَافِلَ ، مَعَهُمْ سِلَاحُهُمْ ، وَيَمُرُّونَ بِسُبُلٍ يَأْلَفُونَهَا فَلَا يَعْتَرِضُهُمْ خَوْفٌ عَامٌّ ، فَأَمَّا سَفَرُهُمْ فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُمْ يَفْرَقُونَ مِنْ هَوْلِهِ وَلَا يَدْفَعُهُ عَنْهُمْ وَفْرَةُ عَدَدٍ وَلَا قُوَّةُ عُدَدٍ ، فَهُمْ يَضْرَعُونَ إِلَى اللَّهِ بِطَلَبِ النَّجَاةِ ، وَلَعَلَّهُمْ لَا يَدْعُونَ أَصْنَامَهُمْ حِينَئِذٍ .
فَأَمَّا تَسْخِيرُ الْمَخْلُوقَاتِ فَمَا كَانُوا يَطْمَعُونَ بِهِ إِلَّا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَيْضًا كَانَ يُخَامِرُهُمُ الْخَوْفُ عِنْدَ رُكُوبِهِمْ فِي الْبَحْرِ لِقِلَّةِ الْفَهْمِ بِرُكُوبِهِ ؛ إِذْ كَانَ مُعْظَمُ أَسْفَارِهِمْ فِي الْبَرَارِي .
وَقَدْ تَقَدَّمَ تَعْدِيَةُ الرُّكُوبِ بِحَرْفِ " فِي " عِنْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=41وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا فِي سُورَةِ هُودٍ . وَالْإِخْلَاصُ : التَّمْحِيضُ وَالْإِفْرَادُ .
وَالدِّينُ : الْمُعَامَلَةُ . وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الدُّعَاءُ ، أَيْ دَعَوُا اللَّهَ غَيْرَ مُشْرِكِينَ مَعَهُ أَصْنَامُهُمْ . وَيُفَسِّرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ .
[ ص: 33 ] فَجِيءَ بِحَرْفِ الْمُفَاجَأَةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمُ ابْتَدَرُوا إِلَى الْإِشْرَاكِ فِي حِينِ حُصُولِهِمْ فِي الْبَرِّ ، أَيْ أَسْرَعُوا إِلَى مَا اعْتَادُوهُ مِنْ زِيَارَةِ أَصْنَامِهِمْ وَالذَّبْحِ لَهَا . وَالْمُفَاجَأَةُ عُرْفِيَّةٌ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الْإِرْسَاءُ فِي الْبَرِّ وَالْوُصُولُ إِلَى مَوَاطِنِهِمْ ، فَكَانُوا يُبَادِرُونَ بِإِطْعَامِ الطَّعَامِ عِنْدَ الرُّجُوعِ مِنَ السَّفَرِ .
وَاللَّامُ فِي " لِيَكْفُرُوا " لَامُ التَّعْلِيلِ وَهِيَ لَامُ كَيْ ، وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلِ يُشْرِكُونَ ، وَالْكُفْرُ هُنَا لَيْسَ هُوَ الشِّرْكُ ، وَلَكِنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=33147_29485_20698_32409كُفْرَانُ النِّعْمَةِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=66بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَإِنَّ الْإِيتَاءَ بِمَعْنَى الْإِنْعَامِ ، وَبِقَرِينَةِ تَفْرِيعِهِ عَلَى " يُشْرِكُونَ " ، فَالْعِلَّةُ مُغَايِرَةٌ لِلْمَعْلُولِ ، وَكُفْرَانُ النِّعْمَةِ مُسَبَّبٌ عَنِ الْإِشْرَاكِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا بَادَرُوا إِلَى شُئُونِ الْإِشْرَاكِ فَقَدْ أَخَذُوا يَكْفُرُونَ النِّعْمَةَ ، فَاللَّامُ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ ; شَبَّهَ الْمُسَبَّبَ بِالْعِلَّةِ الْبَاعِثَةِ فَاسْتُعِيرَ لَهُ حَرْفُ التَّعْلِيلِ عِوَضًا عَنْ فَاءِ التَّفْرِيعِ .
وَأَمَّا اللَّامُ فِي قَوْلِهِ : وَلِيَتَمَتَّعُوا بِكَسْرِ اللَّامِ عَلَى أَنَّهَا لَامُ التَّعْلِيلِ فِي قِرَاءَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=17274وَرْشٍ عَنْ
نَافِعٍ ،
وَأَبِي عَمْرٍو ،
وَابْنِ عَامِرٍ ،
وَعَاصِمٍ ،
وَأَبِي جَعْفَرٍ ،
وَيَعْقُوبَ . وَقَرَأَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16810قَالُونُ عَنْ
نَافِعٍ ،
وَابْنُ كَثِيرٍ ،
وَحَمْزَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ،
وَخَلَفٌ بِسُكُونِهَا ، فَهِيَ لَامُ الْأَمْرِ ، وَهِيَ بَعْدَ حَرْفِ الْعَطْفِ تُسَكَّنُ وَتُكْسَرُ ، وَعَلَيْهِ فَالْأَمْرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّهْدِيدِ نَظِيرَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=40اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ وَهُوَ عَطْفُ جُمْلَةِ التَّهْدِيدِ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِلَخْ . . . نَظِيرَ قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الرُّومِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=34لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ " .
وَالتَّمَتُّعُ : الِانْتِفَاعُ الْقَصِيرُ زَمَنُهُ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=66فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ تَفْرِيعٌ عَلَى التَّهْدِيدِ بِالْوَعِيدِ .