الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في النفي

                                                                                                          1438 حدثنا أبو كريب ويحيى بن أكثم قالا حدثنا عبد الله بن إدريس عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب وغرب وأن أبا بكر ضرب وغرب وأن عمر ضرب وغرب قال وفي الباب عن أبي هريرة وزيد بن خالد وعبادة بن الصامت قال أبو عيسى حديث ابن عمر حديث غريب رواه غير واحد عن عبد الله بن إدريس فرفعوه وروى بعضهم عن عبد الله بن إدريس هذا الحديث عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن أبا بكر ضرب وغرب وأن عمر ضرب وغرب حدثنا بذلك أبو سعيد الأشج حدثنا عبد الله بن إدريس وهكذا روي هذا الحديث من غير رواية ابن إدريس عن عبيد الله بن عمر نحو هذا وهكذا رواه محمد بن إسحق عن نافع عن ابن عمر أن أبا بكر ضرب وغرب وأن عمر ضرب وغرب ولم يذكروا فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النفي رواه أبو هريرة وزيد بن خالد وعبادة بن الصامت وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر وعلي وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وأبو ذر وغيرهم وكذلك روي عن غير واحد من فقهاء التابعين وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحق

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في النفي ) المراد بالنفي التغريب ، وهو إخراج الزاني عن محل إقامته سنة .

                                                                                                          قوله : ( ويحيى بن أكثم ) بالثاء المثلثة التميمي المروزي أبو محمد القاضي المشهور فقيه صدوق إلا أنه رمي بسرقة الحديث ، ولم يقع ذلك له ، وإنما كان يرى الرواية بالإجازة والوجادة من العاشرة . قوله : ( ضرب ) أي : جلد الزاني والزانية مائة جلدة ، ( وغرب ) من التغريب أي : إخراج الزاني والزانية عن محل الإقامة سنة قوله : ( وفي الباب عن أبي هريرة وزيد بن خالد وعبادة بن الصامت ) ، أما حديث أبي هريرة وزيد بن خالد فأخرجه الجماعة ، وفيه : على ابنك جلد مائة وتغريب عام ، وأما حديث عبادة بن الصامت فأخرجه الجماعة إلا البخاري والنسائي ، وفيه : البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام . قوله : ( حديث ابن عمر حديث غريب إلخ ) وأخرجه النسائي والحاكم والدارقطني قال الحافظ في التلخيص ، وصححه ابن القطان ورجح الدارقطني وقفه .

                                                                                                          قوله : ( وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 592 ] النفي رواه أبو هريرة إلخ ) وفي الباب أحاديث أخرى مبسوطة في تخريج الهداية للزيلعي والتلخيص الحبير ، وغيرهما ( والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر ) كما في حديث الباب وروى محمد في الموطإ بإسناده عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه : أن رجلا وقع على جارية بكر فأحبلها ، ثم اعترف على نفسه بأنه زنى ، ولم يكن أحصن ، فأمر به أبو بكر الصديق فجلد الحد ، ثم نفي إلى فدك ، ومنهم عثمان رضي الله تعالى عنه فعند ابن أبي شيبة عن مولى عثمان أن عثمان جلد امرأة في زنا ، ثم أرسل بها إلى مولى يقال له المهدي إلى خيبر نفاها إليه . ( وهو قول سفيان الثوري ، ومالك بن أنس وعبد الله بن المبارك ، والشافعي ، وأحمد وإسحاق ) وهو القول الراجح المعول عليه ، وقد ادعى محمد بن نصر في كتاب الإجماع الاتفاق على نفي الزاني البكر إلا عن الكوفيين ، وقال ابن المنذر : أقسم النبي صلى الله عليه وسلم في قصة العسيف أنه يقضي بكتاب الله تعالى ، ثم قال : إن عليه جلد مائة وتغريب عام ، وهو المبين لكتاب الله تعالى ، وخطب عمر بذلك على رءوس المنابر وعمل به الخلفاء الراشدون ولم ينكره أحد فكان إجماعا ، وقال صاحب التعليق الممجد من العلماء الحنفية : وللحنفية في الجواب عن أحاديث النفي مسالك :

                                                                                                          الأول القول بالنسخ ذكره صاحب الهداية ، وغيره ، وهو أمر لا سبيل إلى إثباته بعد ثبوت عمل الخلفاء به مع أن النسخ لا يثبت بالاحتمال .

                                                                                                          والثاني أنها محمولة على التعزير بدليل ما روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب أن عمر غرب ربيعة بن أمية بن خلف في الشراب إلى خيبر فلحق بهرقل فتنصر فقال عمر : لا أغرب بعده مسلما ، وأخرج محمد في كتاب الآثار وعبد الرزاق عن إبراهيم قال : قال ابن مسعود في البكر يزني بالبكر يجلدان وينفيان سنة ، قال ، وقال علي : حسبهما من الفتنة أن ينفيا فإنه لو كان النفي حدا مشروعا لما صدر عن عمر وعن علي مثله .

                                                                                                          والثالث أنها أخبار آحاد ، ولا تجوز بها الزيادة على الكتاب ، وهو موافق لأصولهم لا يسكت خصمهم . انتهى . قلت : أما قول عمر رضي الله عنه : لا أغرب بعده مسلما فالظاهر أنه في شارب الخمر دون الزاني ، وأما قول علي رضي الله عنه فرواه عنه إبراهيم النخعي ، وليس له فسماع منه ، قال [ ص: 593 ] أبو زرعة : النخعي عن علي مرسل ، وقال ابن المديني : لم يلق النخعي أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال أبو حاتم لم يلق أحدا من الصحابة إلا عائشة ، ولم يسمع منها ، وأدرك أنسا ولم يسمع منه ، كذا في تهذيب التهذيب ، وأما قولهم بأنها أخبار آحاد ، ولا تجوز بها الزيادة ، ففيه أن أحاديث التغريب قد جاوزت حد الشهرة المعتبرة عند الحنفية فيما ورد من السنة زائدا على القرآن فليس لهم معذرة عنها بذلك ، وقد عملوا بما هو دونها بمراحل كحديث نقض الوضوء بالقهقهة وحديث جواز الوضوء بالنبيذ .




                                                                                                          الخدمات العلمية