الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                          صفحة جزء
                                          قوله تعالى: وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى آية 260

                                          [2687] حدثنا أبو زرعة ، ثنا منجاب بن الحارث ، أنبأ بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال: إن إبراهيم مر برجل ميت، قال: زعموا أنه حبشي - على ساحل البحر، فرأى دواب البحر تخرج فتأكل منه، وسباع الأرض، تأتيه فتأكل منه، والطير تقع عليه فتأكل منه، قال: فقال إبراهيم عند ذلك: رب، هذه دواب البحر تأكل من هذه، وسباع الأرض والطير، ثم تميتها فتبلى، ثم تحييها بعد البلى، فأرني كيف تحيي الموتى. وروي عن الضحاك ، نحو ذلك.

                                          والوجه الثاني:

                                          [2688] حدثنا الحسن بن أحمد ، ثنا موسى بن محلم ، ثنا عبد الكبير بن عبد المجيد ، ثنا عباد بن منصور قال: سألت الحسن عن قوله: وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال: سأل نبي الله صلى الله عليه وسلم ربه، أن يريه كيف يحيي الموتى، وذلك مما لقي من قومه من الأذى، فدعا ربه عند ذلك، مما لقي منهم من الأذى، فقال: رب أرني كيف تحي الموتى

                                          والوجه الثالث:

                                          [2689] حدثنا أبو زرعة ، ثنا عمرو بن حماد ، ثنا أسباط ، عن السدي قال: لما [ ص: 508 ] اتخذ الله إبراهيم خليلا، سأل ملك الموت أن يأذن له، فيبشر إبراهيم بذلك، فأذن له، فأتى إبراهيم ، وليس في البيت، فدخل داره، وكان إبراهيم من أغير الناس إذا خرج أغلق الباب، فلما جاء وجد في بيته رجلا ثار إليه ليأخذه، وقال له: من أذن لك أن تدخل داري؟ قال ملك الموت: أذن لي رب هذه الدار. قال إبراهيم : صدقت، وعرف أنه ملك الموت. قال من أنت؟ قال أنا ملك الموت، جئتك أبشرك بأن الله قد اتخذك خليلا. فحمد الله وقال يا ملك الموت: أرني كيف تقبض أنفاس الكفار. قال: يا إبراهيم لا تطيق ذلك. قال بلى. قال: فأعرض. فأعرض إبراهيم ، فإذا هو برجل أسود ينال رأسه السماء يخرج من فيه لهب النار ليس من شعرة في جسده إلا في صورة رجل أسود يخرج من فيه ومسامعه لهب النار فغشي على إبراهيم ، ثم أفاق، وقد تحول ملك الموت في الصورة الأولى فقال: يا ملك الموت، لو لم يلق الكافر عند موته من البلاء والحزن إلا صورتك لكفاه، فأرني كيف تقبض أنفاس المؤمنين. قال: فأعرض، فأعرض إبراهيم ، ثم التفت، فإذا هو برجل شاب، أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا، في ثياب بياض. قال يا ملك الموت: لو لم ير المؤمن عند موته من قرة العين والكرامة إلا صورتك هذه، لكان يكفيه، فانطلق ملك الموت، وقام إبراهيم يدعو ربه، يقول: يا رب أرني كيف تحيي الموتى، حتى أعلم أني خليلك.

                                          والوجه الرابع:

                                          [2690] ذكر الحسن بن محمد بن الصباح ، ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال سألت عطاء عن قوله: رب أرني كيف تحي الموتى قال: دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس فقال: رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى

                                          قوله تعالى: قال أولم تؤمن قال بلى

                                          [2691] حدثنا أبو زرعة ، ثنا منجاب ، أنبأ بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال أولم تؤمن يا إبراهيم أني أحيي الموتى؟ قال بلى يا رب.

                                          والوجه الثاني:

                                          [2692] حدثنا أبو زرعة ، وثنا إبراهيم بن موسى الفراء ، أنبأ ابن أبي زائدة ، أخبرني [ ص: 509 ] الثوري ، عن قيس بن مسلم ، عن سعيد بن جبير في قوله: أولم تؤمن قال بلى يعني: أولم تؤمن أني خليلك.

                                          [2693] حدثنا أبو زرعة ، ثنا عمرو بن حماد ، ثنا أسباط ، عن السدي قال: أولم تؤمن بأني خليلك؟ يقول: تصدق؟ قال: بلى.

                                          قوله تعالى: قال بلى

                                          [2694] حدثنا أبي ، ثنا أبو صالح كاتب الليث ، حدثني ابن أبي سلمة ، عن محمد بن المنكدر ، أنه قال: التقى عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص ، فقال ابن عباس لابن عمرو بن العاص : أي آية في القرآن أرجى عندك؟ فقال عبد الله بن عمرو : قول الله: يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا فقال ابن عباس : لكن أنا أقول: (قول) الله: وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى فرضي من إبراهيم قوله: بلى فهذا لما يعرض في الصدور، ويوسوس به الشيطان.

                                          قوله: ولكن ليطمئن قلبي

                                          [2695] حدثنا أبو زرعة ، ثنا منجاب ، أنبأ بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قول الله: ولكن ليطمئن قلبي يقول: لأرى من آياتك وأعلم أنك قد أجبتني فقال الله تعالى: فخذ أربعة من الطير فصنع ما صنع.

                                          [2696] حدثنا أبي ، ثنا أبو صالح كاتب الليث ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله: قال بلى ولكن ليطمئن قلبي يقول: إنك تجيبني إذا دعوتك، وتعطيني إذا سألتك.

                                          والوجه الثاني:

                                          [2697] حدثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ولكن ليطمئن قلبي قال: ليوقن.

                                          [ ص: 510 ] الوجه الثالث:

                                          [2698] حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري ، ثنا مؤمل ، ثنا سفيان ، عن أبي الهيثم ، عن سعيد بن جبير في قوله: ولكن ليطمئن قلبي قال ليزداد إيمانا.

                                          والوجه الرابع:

                                          [2699] حدثنا حماد بن الحسن بن عنبسة ، ثنا أبو داود ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبيه، عن سعيد بن جبير ليطمئن قلبي قال: بالخلة.

                                          الوجه الخامس:

                                          [2700] حدثنا محمد بن حماد الطهراني ، أنا حفص بن عمر ، ثنا الحكم بن إبان ، عن عكرمة ، في قوله: قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال: لكي يعلموا أنك تحيي الموتى.

                                          والوجه السادس:

                                          [2701] حدثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا النضر بن إسماعيل، عن جويبر ، عن الضحاك ولكن ليطمئن قلبي قال: لترى عيني.

                                          والوجه السابع:

                                          [2702] حدثنا الحسن بن أحمد ، ثنا موسى بن محلم ، ثنا عبد الكبير بن عبد المجيد، عن عباد بن منصور قال: سألت الحسن عن قوله: ولكن ليطمئن قلبي أي: ليعرف قلبي ويستيقن.

                                          قوله تعالى: قال فخذ أربعة من الطير

                                          [2703] حدثنا أبو سعيد الأشج ، وهارون بن إسحاق قالا: ثنا حفص بن غياث ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد فخذ أربعة من الطير قال: حمامة وديك وطاووس وغراب.

                                          وروي عن عكرمة مثل ذلك.

                                          والوجه الثاني:

                                          [2704] حدثنا أبو زرعة ، ثنا منجاب ، أنبأ بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن [ ص: 511 ] الضحاك ، عن ابن عباس في قوله: فخذ أربعة من الطير قال: والطير الذي أخذ: وز ورال وديك وطاووس. قال: أخذ من كل جنس، من الطير واحدا. قال منجاب : الرال: فرخ النعام.

                                          والوجه الثالث:

                                          [2705] حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن عمرو بن السرح ، ثنا ابن وهب ، ثنا ابن لهيعة ، عن عبد الله بن هبيرة السبائي، عن حنش ، عن ابن عباس في قول الله: فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك قال: الغرنوق والطاووس، والديك، والحمامة. قال أبو محمد : والغرنوق: الكركي.

                                          قوله تعالى: فصرهن إليك

                                          [2706] حدثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد ، عن ابن عباس فصرهن إليك قال قطعهن.

                                          [2707] حدثنا يونس بن حبيب ، ثنا أبو داود ، ثنا شعبة ، أخبرني أبو جمرة ، سمعت ابن عباس ، يقول في قوله: فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك قال: هذا مثل قوله: أربعة من الطير فقطعهن أرباعا كل واحد منها ربع، ثم ادعهن يأتينك سعيا.

                                          [2708] حدثنا أبو زرعة ، ثنا إبراهيم بن موسى ، أنبأ ابن أبي زائدة ، أنبأ شعبة ، عن أبي جمرة إسناده نحوه، وزاد فيه: فقطع أجنحتهن واجعل القطع في أرباع الدنيا، وروي عن أبي مالك ، وسعيد بن جبير ، ووهب بن منبه ، وأبي الأسود الدؤلي ، وعكرمة ، والحسن ، والسدي نحو ذلك.

                                          والوجه الثاني:

                                          [2709] أخبرنا محمد بن سعد العوفي فيما كتب إلي، ثنا أبي، ثنا عمي الحسين ، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس قوله: فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك قال: صرهن: أوثقهن. فلما أوثقهن ذبحهن، ثم جعل على كل جبل منهن جزءا.

                                          [ ص: 512 ] والوجه الثالث:

                                          [2710] حدثنا أبي ، ثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة ، ثنا معاذ بن هشام ، ثنا أبي، عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء فصرهن قال: علمهن حتى كان إذا دعاهن أتينه. ثم شققهن، فدعاهن، فأتينه كما كن يأتينه قبل أن يشققن .

                                          [2711] حدثني أبي، ثنا نصر بن علي ، أنبأ معتمر ، عن أبيه، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : فصرهن إليك قال: هي بالنبطية: صر به، يعني: شققهن.

                                          [2712] حدثنا أبو بكر بن أبي موسى ، ثنا عبد الله بن وضاح ، حدثني يحيى بن يمان ، عن أشعث بن إسحاق ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير فصرهن إليك قال: جناح ذه، عند رأس ذه، ورأس ذه عند جناح ذه.

                                          [2713] حدثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا محمد بن عطارد الكندي ، عن المثنى ، عن مجاهد فصرهن إليك قال: تنتفهن وتمزقهن.

                                          [2714] حدثنا الحسن بن أبي الربيع ، أنبأ عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن قتادة في قوله: فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك قال: فصرهن فمزقهن. أمر أن يخلط الدماء بالدماء، والريش بالريش، ثم يجعل على كل جبل منهن جزءا.

                                          والوجه الرابع:

                                          ذكر الحسن بن محمد بن الصباح ، ثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج قال: سألت عطاء عن قوله: فصرهن إليك قال: اضممهن إليك.

                                          قوله: ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا

                                          [2715] حدثنا أبو زرعة ، ثنا منجاب بن الحارث ، أنبأ بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قوله: ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا قال: فأخذ نصفين مختلفين، ثم أتى أربعة أجبل، فجعل على كل جبل نصفين [ ص: 513 ] مختلفين، فهو قوله: ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا يعني هذا: ثم تنحى ورءوسها تحت قدمه.

                                          [2716] حدثنا علي بن الحسين ، ثنا محمد بن أبي حماد ، ثنا زافر ، عن ابن جريج ، عن طاووس ، عن ابن عباس في قوله: ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا قال: وضعهن على سبعة أجبل، وأخذ الرءوس بيده.

                                          قوله تعالى: ثم ادعهن

                                          [2717] حدثنا أبو زرعة ، ثنا منجاب بن الحارث ، أنبأ بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس يعني قوله: ثم ادعهن قال: فدعا باسم الله الأعظم.

                                          [2718] حدثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا محمد بن عطارد الكندي ، عن المثنى ، عن مجاهد : ثم ادعهن فدعاهن: باسم إله إبراهيم تعالين.

                                          قوله تعالى: يأتينك سعيا

                                          [2719] حدثنا أبو زرعة ، ثنا منجاب ، أنبأ بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس يعني قوله: يأتينك سعيا قال: فرجع كل نصف إلى نصفه، وكل ريش إلى طائره، ثم أقبلت تطير بغير رءوس، حتى انتهت إلى قدمه تريد رءوسها بأعناقها، فلما رآها وما تفعل، رفع قدمه، فوضع كل طائر منها عنقه في رأسه، فعادت كما كانت، فقال إبراهيم حين رأى ذلك: أعلم أن الله عزيز حكيم.

                                          [2720] حدثنا علي بن الحسين ، ثنا محمد ، ثنا زافر ، عن ابن جريج ، عن طاووس ، عن ابن عباس يعني قوله: يأتينك سعيا فجعل خليل الرحمن ينظر إلى القطرة تلقى القطرة، والريشة تلقى الريشة، حتى صرن أحياء ليس لهن رءوس، فجئن إلى رءوسهن، فدخلن فيها.

                                          قوله تعالى: واعلم أن الله عزيز حكيم

                                          [2721] حدثنا أبو زرعة ، ثنا منجاب ، أنبأ بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله: واعلم أن الله عزيز حكيم يقول: مقتدر على ما يشاء.

                                          [ ص: 514 ] قوله: حكيم

                                          وبه عن ابن عباس قوله: حكيم محكم لما أراد، وفعل هذا وأرانيه من آياته.

                                          التالي السابق


                                          الخدمات العلمية