الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا

                                                          أي إن أشد الناس ولاية بإبراهيم وأجدرهم بالاتصال به، للذين اتبعوه، وهذا النبي والذين آمنوا بهذا النبي، فهم أصناف ثلاثة قد أكد سبحانه اتصالهم بإبراهيم بثلاثة [ ص: 1267 ] تأكيدات؛ أولها: " إن " وثانيها: أفعل التفضيل، وثالثها: اللام في قوله تعالى: للذين اتبعوه والذين اتبعوه موصول عام يشمل الذين اتبعوا هدايته في حياته، وأجابوا دعوته، ولم يخالفوه، والذين اتبعوه من بعد وفاته، وإنهم لكثيرون، وكان يمكن أن يكون من هؤلاء اليهود والنصارى، لو اتبعوا هديه فطلبوا الحق وأخلصوا لله في طلبه، وتجنبوا الشرك بكل ضروبه وبكل أشكاله، وفي هذا توبيخ لهم على أنهم لم يتبعوه، وادعوا الانتماء إليه. وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنص عليه بالذات على أنه أولى الناس بإبراهيم عليه السلام، ولم يذكره في ضمن الذين اتبعوه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلقى الهداية من السماء كما تلقاها إبراهيم، ولأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين؛ ولأنه آخر دعامة في بناء صرح الرسالة الإلهية إلى أهل الأرض. وفي ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - تمهيد لبيان أولوية الذين آمنوا به - صلى الله عليه وسلم - وبسيدنا إبراهيم من اليهود والنصارى؛ لأنهم حنفاء طلبوا الحق، وتحروه وآمنوا به واهتدوا، وأخلصوا دينهم لله تعالى، وصار الله ورسوله أحب إليهم من أنفسهم. والذين آمنوا في الآية هم من آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لكل نبي ولاة من النبيين، وإن وليي منهم أبي وخليل ربي إبراهيم " .

                                                          وولاية إبراهيم للنبي ومن اتبعهما بإحسان إلى يوم الدين أساسها الإخلاص لله تعالى وتوحيده، فهي من ولاية الله؛ ولذا قال سبحانه: والله ولي المؤمنين أي أن الله سبحانه وتعالى جل جلاله، وعظمت قدرته، وتعالت حكمته، وتسامت عظمته، هو ولي المؤمنين وناصرهم، وهم أهل محبته ورضوانه؛ وذلك لأنهم لا يطلبون إلا رضاه، ولا يبتغون إلا محبته ورضوانه؛ فهم بإخلاصهم قد نالوا ولاء الله ومحبته؛ والله سبحانه وتعالى لا يوالي إلا من يؤمن للحق ويذعن له، ولا يطلب سواه. [ ص: 1268 ] وفي هذه الجملة السامية إشارة إلى عدة معان عالية:

                                                          أولها: أن اتصال النبي - صلى الله عليه وسلم - والذين اتبعوه، والذين اتبعوا إبراهيم بخليل الله؛ لأنهم اتصلوا بالله تعالى، والمؤمنون بعضهم لبعض ولي ونصير؛ لأنهم جميعا أولياء الله. فالمؤمنون برسالة إبراهيم والمؤمنون برسالة محمد كلهم أولياء؛ لأنهم جميعا أولياء الله تعالى، وفي ذلك يبين سبحانه لليهود وغيرهم الطريق الحق الذي يجعلهم أولى بإبراهيم كالنبي ومن اتبعه.

                                                          ثانيها: الإشارة إلى أن ولاية الله هي الغاية الكبرى التي يجب أن يطلبها كل مؤمن، وطريقها الإحسان في كل شيء، وأساس الإحسان الإخلاص، ولذا يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " .

                                                          ثالثها: الإشارة إلى منزلة أهل الإيمان عند الله والوعد بنصرتهم مهما يتكاثف عددهم: إن الله لقوي عزيز

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية