الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 432 ] الباب التاسع عشر في صلاة الاستسقاء .

                                                                                                                والاستفعال غالبا لطلب الفعل ، نحو الاستفهام لطلب الفهم ، والاسترشاد لطلب الرشد ، والاستسقاء طلب السقي ، وهي عندنا سنة خلافا ( ح ) . لنا ما في أبي داود ، قالت عائشة - رضي الله عنها - : " شكا الناس إلى النبي - عليه السلام - قحط المطر ، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ، ووعد الناس يوما يخرجون فيه ، فخرج - عليه السلام - حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله ، ثم قال : " إنكم شكوتم جدب دياركم ، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم ، وقد أمركم الله أن تدعوه ، ووعدكم أن يستجيب لكم ، ثم قال : الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ; الذي لا إله إلا هو يفعل ما يريد ; اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء ; أنزل علينا الغيث ، واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغا إلى حين ، ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا [ ص: 333 ] بياض إبطيه ، ثم حول إلى الناس ظهره ، وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه ، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين ; فأنشأ الله سبحانه - سحابة فرعدت وبرقت ، ثم أمطرت بإذن الله تعالى ، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول " . وفي الكتاب : صلى ضحوة فقط ، قال سند : قال ابن حبيب : وقتها وقت صلاة العيدين ، فيحتمل أن يكون تفسيرا لقول مالك ، وقال ( ش ) : تفعل بعد الزوال . لنا الحديث المتقدم والقياس على العيدين ، ونقل أبو الطاهر إيقاعها بعد الزوال وبعد المغرب قولان في المذهب . وفي البيان قال مالك : لا بأس بالاستسقاء بعد المغرب والصبح ، قال : يريد به الدعاء لا البروز إلى المصلى ; لأن السنة فيه الضحى . وفي الجواهر : يستحب أن يأمر الإمام قبلها بالتوبة ، ورد المظالم ، وتحلل الناس بعضهم بعضا ; لأن الذنوب سبب المصائب ; لقوله تعالى : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ) ، وسبب منع الإجابة كما جاء في الحديث ، ويأمرهم بالصدقة والإحسان للفقراء فالعبد يجازى من جنس عمله ، فمن أطعم أطعم ، ومن أحسن أحسن إليه ، ولا يزال الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ، قال سند : واختلف قول مالك في تقديم الصوم قبل الاستسقاء ، قال ابن حبيب : ويصبحون صياما وقد فعله عمر ، واستحبه ( ش ) ثلاثا ; لما روي : أن دعوة الصائم لا ترد ، ويخرجون مع الإمام في ثياب البذلة والمهنة ، عليهم السكينة والوقار ، شعارهم الخشوع والخوف ، قال أبو الطاهر : [ ص: 434 ] والمشهور أن الإمام لا يكبر عند خروجه إليها ، وقيل : يكبر قياسا على صلاة العيدين ، وفي الكتاب : لا يخرج بمنبر ولكن يتوكأ الإمام على عصا ، وأول من أحدث المنبر من طين في المصلى للعيدين عثمان بن عفان ، وقال أشهب : في المجموعة ذاك واسع للحديث السابق . وفي الجواهر : المشهور إخراج الصبيان والبهائم والنساء التي لا تخشى فتنتهن غير مشروع ، وقيل : مشروع ; لتكثير أسباب الرحمة ، ولا خلاف في منع من تخشى فتنته من النساء . ومنع في الكتاب الحيض ، وجوز أهل الذمة ; لأنهم يرزقون كما نرزق ، وفي الجواهر : منعه أشهب دفعا للفتنة عن ضعفاء الإسلام ، ولأنه لا يتقرب إلى الله تعالى بأعدائه ، وجوز القاضي عبد الوهاب و ( ش ) خروجهم منفردين بيوم إخفاء لشعائرهم ، ومنعه ابن حبيب لئلا يحصل السقي في يومهم فيفتن الناس ، ويستسقى للجدب وحياة الزرع ، ولشرب الناس أو شرب البهائم ، أو لتكامل الكفاية بالماء ، أو لمجيء النيل ، ولتكرير الاستسقاء إن احتيج إليه لحصول الحاجة في الجميع ، وفي الموطأ : كان - عليه السلام - يقول : " اللهم اسق عبادك ، وبهيمتك ، وانشر رحمتك ، وأحي بلدك الميت " . وجوز اللخمي و ( ش ) استسقاء المخصب للمجدب ، وتوقف فيه المازري دون الدعاء المجرد لكونه بدعة . وفي الكتاب : يقرأ فيهما بسبح والشمس وضحاها ونحوهما - وقاله ابن [ ص: 435 ] حنبل ، وقال ( ش ) : ب ( ق ) ، وفي الثانية ب : ( اقتربت الساعة ) . لنا المقصود الدعاء والاستغفار ، فيوجد في الصلاة ، ولا يكبر فيها عندنا خلافا ( ش ) ; لأنه لم يرو ، ويبدل التكبير بالاستغفار - قاله في الجواهر ; لقوله تعالى : ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ) ، فجعل الاستغفار سبب الإمطار ، وفي الكتاب يخطب بعد الصلاة خطبتين كالعيدين . قال صاحب المنتقى : وكان يقول يخطب قبل الصلاة ، وكلاهما مروي في الحديث ، والأشهر ألا يطول ; لأن التقرب قبل المسألة أنسب ، والفرق بين الجمعة وبين الاستسقاء والعيدين : أنها شرط فيها بخلافهما ، والشرط يتقدم ، وفي الكتاب : إن أحدث في الخطبة تمادى لعدم اشتراط الطهارة في الخطبة ، ولا تتصل بصلاة بخلاف الجمعة ، وإذا فرغ من خطبته استقبل القبلة مكانه ، وحول رداءه فيجعل الذي على اليمين على اليسار ، والذي على اليسار على اليمين - خلافا ( ح ) ، ولا يقلبه فيجعل الأسفل أعلى ، وقال في المجموعة : يحول بين الخطبتين وقاله ( ش ) ; لأن الدعاء بعد الخطبة الأولى خطبة ، ونقل أبو الطاهر التحويل بعد الخطبتين ; لئلا تفصل الخطبة بعمل ليس منها ، وفي الكتاب يحول الناس أرديتهم وهم جلوس إذا حول الإمام ; للتفاؤل بتحويل الحال ، قال سند : قال ابن الماجشون : ولا يحول النساء . وصفة التحويل : أن يأخذ بيمينه ما على عاتقه الأيسر ويمره من ورائه فيضعه على الأيمن ، وما على الأيمن على الأيسر ، وفي الكتاب : ثم يدعو [ ص: 436 ] قائما ويدعون وهم قعود ، قال اللخمي : ولا يدعى للأمير بل يخلص الأمر لله ، قال سند : ويستحب لمن قرب منه أن يؤمن على دعائه ، وروي عن مالك : أنه يرفع يديه وبطونهما إلى الأرض ، وروي عنه بطونهما إلى السماء ، ويفعل الناس مثله جلوسا ، ويجهر بالدعاء ; لأن دعاءه - عليه السلام - سمع فنقل ، ويكون الدعاء بين الطول والقصر ، ; وفي الكتاب يتنفل قبلها وبعدها ، قال سند : كره ابن حبيب ذلك قياسا على العيدين ، والفرق أن الاستسقاء طلب للغفران ; فإن الجدب بسبب الذنوب فحسن فيه القربات ، ومن أدرك الخطبة وفاتته الصلاة جلس لها ولا يصلي ، وهو بالخيار بعد ذلك في الصلاة ; لأنها بقية نافلة مطلقة .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية