الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 327 ] كتاب الديات . كل من أتلف إنسانا ، أو جزءا منه بمباشرة ، أو سبب فعليه ديته . فإن كان عمدا محضا ، فهي في مال الجاني حالة ، وإن كان شبه عمد ، أو خطأ ، أو ما أجري مجراه ، فعلى عاقلته ، ولو ألقى على إنسان أفعى ، أو ألقاه عليها فقتلته . أو طلب إنسانا بسيف مجرد فهرب منه فوقع في شيء تلف به بصيرا كان ، أو ضريرا ، أو حفر بئرا في فنائه ، أو وضع حجرا ، أو صب ماء في طريق ، أو بالت فيها دابته ويده عليها ، أو رمى قشر بطيخ فيها فتلف به إنسان وجبت عليه الدية .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          كتاب الديات

                                                                                                                          الديات واحدتها دية مخففة وأصلها ودي ، والهاء بدل من الواو كالعدة من الوعد ، والزنة من الوزن ، يقال : وديت القتيل أديه دية إذا أعطيت ديته ، وايتديت إذا أخذت الدية ، وهي في الأصل مصدر سمي به المال المؤدى إلى المجني عليه ، أو أوليائه كالخلق بمعنى المخلوق ، وهي ثابتة بالإجماع ، وسنده قوله تعالى : ودية مسلمة إلى أهله [ النساء : 92 ] وفي الخبر : " في النفس مائة من الإبل " .

                                                                                                                          ( كل من أتلف إنسانا ، أو جزءا منه بمباشرة ، أو سبب فعليه ديته ) لقوله تعالى : ومن يقتل مؤمنا متعمدا [ النساء : 93 ] الآية ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لما كتب إلى أهل اليمن كتابا في الفرائض ، والسنن ، والديات : في النفس مائة من الإبل رواه مالك ، ، والنسائي من حديث عمرو بن حزم ، قال ابن عبد البر : هو كتاب مشهور عند أهل السير ومعروف عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد ، أشبه المتواتر ، وسواء كان مسلما ، أو ذميا مستأمنا ، أو مهادنا فقوله " أو جزءا منه " هذه الزيادة انفرد بها المؤلف عن " المحرر " ، و " الوجيز " ، و " الفروع " ; لأن ما ضمنت جملته ضمنت أجزاؤه ، وقوله " بمباشرة " ; لأنه أتلفه بها فوجبت ديته كالنفس إذا أتلفت بها ، وقوله " أو سبب " ; لأنه مؤد إلى تلفه ، [ ص: 328 ] أشبه المباشرة ( فإن كان عمدا محضا ، فهي في مال الجاني ) بالإجماع ; لأن بدل المتلف يجب على المتلف ، وأرش الجناية على الجاني ، ولأن العامد لا عذر له ، فلا يستحق التخفيف ، ولا يوجد فيه المعنى المقتضي للمواساة في الخطأ ( حالة ) لأن ما وجب بالعمد المحض كان حالا كأرش أطراف العبد ودية شبه العامد ، ودية شبه العمد القاتل فيها معذور لكونه لم يقصد القتل ( وإن كان شبه عمد ) فعلى عاقلته في ظاهر المذهب لما روى أبو هريرة ، قال : اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما بحجر فقتلتها وما في بطنها ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها متفق عليه ، ولأنه نوع قتل لا يوجب قصاصا فأوجب الدية على العاقلة كالخطأ ، فعلى هذا تجب مؤجلة بغير خلاف نعلمه ، وروي عن عمر ، وعلي ، ولا مخالف لهما في عصرهما ، ولأن الدية تخالف سائر المتلفات ; لأنها تجب على غير الجاني على سبيل المواساة فاقتضت الحكمة تخفيفها عنهم ، وقال جماعة : هي على القاتل في ماله ، اختاره أبو بكر ; لأن شبه العمد كالعمد ( أو خطأ ، أو ما أجري مجراه ، فعلى عاقلته ) لا نعلم فيه خلافا حكاه ابن المنذر إذ الحكمة فيه أن جنايات الخطأ تكثر ، ودية الآدمي كثيرة ، فإيجابها على الجاني في ماله تجحف به ، فاقتضت الحكمة إيجابها على العاقلة على سبيل المواساة للقاتل ، والإعانة له تخفيفا ; لأنه معذور في فعله ، فعلى هذا لا يلزم القاتل شيئا من دية الخطأ ، لا أنه واحد من العاقلة ، وما أجري مجرى الخطأ يعطى حكمه كالخطأ ( ولو ألقى على إنسان أفعى ) وهو حية معروفة ، والأكثر على صرفها كعصا ، وقيل : بالمنع لوزن الفعل وشبهها بالمشتق ، وهو تصور أذاها ( أو ألقاه عليها فقتلته ) فعليه [ ص: 329 ] ضمانه ; لأنه تلف بعدوانه ، أشبه ما لو جنى عليه ، ولأنه تلف بالسبب فوجب الضمان كالمباشرة ، وفي " الرعاية " وغيرها أنه شبه عمد ( أو طلب إنسانا بسيف مجرد فهرب منه فوقع في شيء تلف به بصيرا كان أو ضريرا ) عاقلا كان ، أو مجنونا ، سواء سقط من شاهق ، أو انخرق به سقف ، أو خر في بئر ; لأنه هلك بسبب عدوانه فضمنه كما لو نصب له سكينا ، قال في " الترغيب " وعندي ما لم يتعمد إلقاء نفسه مع القطع بتلفه ; لأنه كمباشر ، قال في " الفروع " : ويتوجه أنه مراد غيره ، فلو طلبه بشيء يخوفه كاللت ، فهو كما لو طلبه بسيف مشهور ، فلو شهر سيفا في وجهه ، أو دلاه من شاهق فمات من روعته ، أو ذهب عقله فعليه ديته ( أو حفر بئرا في فنائه ) حيث يحرم ، فتلف به إنسان فعليه ديته ، روي عن علي ، وقضى به شريح ; لأنه تلف بعدوانه ، أشبه ما لو تلف بجنايته ، وكذا لو حفرها في مشترك بينه وبين غيره بغير إذنه ، فإنه يضمن الجميع لتعديه بالحفر ، وظاهره أنه لا يضمن إذا حفرها في ملكه ; لأنه لا يعد متعديا ( أو وضع حجرا ، أو صب ماء في طريق ) ضمنه ; لأنه هلك بسببه ( أو بالت فيها دابته ويده عليها ) فزلق به حيوان فمات به ، فعلى صاحب الدابة الضمان إذا كان راكبا ، أو قائدا ، أو سائقا كما لو جنت بيدها ، أو فمها ، قاله الأصحاب ، وفي " الشرح " : قياس المذهب أنه لا يضمن ما تلف بذلك وكما لو سلم على غيره ، أو أمسك يده حتى مات لعدم تأثيره ، ولأنه لا يمكن التحرز منه كما لو أتلفت برجلها ويفارق ما إذا أتلفت بيدها ، أو فمها ; لأنه يمكنه حفظها ( أو رمى قشر بطيخ فيها فتلف به إنسان وجبت عليه الدية ) لأن التلف [ ص: 330 ] منسوب إلى فاعله فوجبت عليه الدية كالمتسبب إلى القتل بغير ذلك ، وفي " المحرر " ، و " الرعاية " ، و " الوجيز " إذا قصده ، فهو شبه عمد وإلا فهو خطأ




                                                                                                                          الخدمات العلمية