الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ومن الناس من يعبد الله على حرف شروع في حال المذبذبين أي ومنهم من يعبده تعالى كائنا على طرف من الدين لا ثبات له فيه كالذي يكون في طرف الجيش فإن أحس بظفر قر وإلا فر ففي الكلام استعارة تمثيلية ، وقوله تعالى : فإن أصابه خير إلخ تفسير لذلك وبيان لوجه الشبه ، والمراد من الخير الخير الدنيوي كالرخاء والعافية والولد أي إن أصابه ما يشتهي اطمأن به أي ثبت على ما كان عليه ظاهرا لا أنه اطمأن به اطمئنان المؤمنين الذين لا يزحزحهم عاصف ولا يثنيهم عاصف وإن أصابته فتنة أي شيء يفتن به من مكروه يعتريه في نفسه وأهله أو ماله انقلب على وجهه أي مستوليا على الجهة التي يواجهها غير ملتفت يمينا وشمالا ولا مبال بما يستقبله من حرار وجبال ، وهو معنى قوله في الكشاف : طار على وجهه وجعله في الكشف كناية عن الهزيمة ، وقيل هو ها هنا عبارة عن القلق لأنه في مقابلة اطمأن ، وأيا ما كان فالمراد ارتد ورجع عن دينه إلى الكفر .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج البخاري وابن أبي حاتم . وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية : كان الرجل يقدم المدينة فإذا ولدت امرأته غلاما ونتجت خيله قال : هذا دين صالح وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال : هذا دين سوء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد قال : أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده فتشاءم من الإسلام فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أقلني فقال عليه الصلاة والسلام : إن الإسلام لا يقال فقال : لم أصب من ديني هذا خيرا ذهب بصري ومالي ومات ولدي فقال صلى الله عليه وسلم : يا يهودي الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة فنزلت هذه الآية ، وضعف هذا ابن حجر ، وقيل : نزلت في شيبة بن ربيعة أسلم قبل ظهوره عليه الصلاة والسلام وارتد بعد ظهوره وروي ذلك عن ابن عباس ، وعن الحسن أنها نزلت في المنافقين خسر الدنيا والآخرة جملة مستأنفة أو بدل من «انقلب » كما قال أبو الفضل الرازي أو حال من فاعله بتقدير قد أو بدونها كما هو رأي أبي حيان ، والمعنى فقد الدنيا والآخرة وضيعهما حيث فاته ما يسره فيهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ مجاهد وحميد والأعرج وابن محيصن من طريق الزعفراني وقعنب والجحدري وابن مقسم «خاسر » بزنة فاعل منصوبا على الحال لأن إضافته لفظية ، وقرئ «خاسر » بالرفع على أنه فاعل «انقلب » وفيه وضع الظاهر موضع المضمر ليفيد تعليل انقلابه بخسرانه ، وقيل : إنه من التجريد ففيه مبالغة ، وجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هو خاسر ، والجملة واردة على الذم والشتم ذلك أي ما ذكر من الخسران ، وما فيه من معنى البعد للإيذان بكونه في غاية ما يكون ، وقيل إن أداة البعد لكون المشار إليه غير مذكور صريحا هو الخسران المبين أي الواضح كونه خسرانا لا غير

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية