الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ؛ ذكر - سبحانه - العواقب الوخيمة التي تترتب على ترداد الإفك على ألسنة الناس؛ وإنه يترتب عليه فساد أمر المؤمنين؛ وتشيع الفاحشة في الذين آمنوا؛ وفي هذه الآية يشير إلى أنه من وسوسة الشيطان؛ ومن اتباع مسالكه؛ ونهى المؤمنين عن ذلك؛ صيانة لأنفسهم؛ ولعقولهم؛ فقال: يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ؛ تقرأ بضم الخاء وفتحها؛ وقراءة الجمهور بضمها؛ و " خطوات الشيطان " ؛ جمع " خطوة " ؛ وهي ما يكون بين الرجلين عند السير؛ وذلك يتضمن النهي عن السير في مسالك الشيطان؛ وعبر عن طريق الشيطان بخطواته؛ على أنه تعبير مجازي؛ شبه من يخضع لهواه بمن يتبع الشيطان في خطواته؛ فيخطو مثله غير متجنب لها؛ ولا لطريقه.

                                                          ثم بين - سبحانه - سير الشيطان؛ وأن من يتبعه يتبع الفحشاء والمنكر؛ فقال - عز من قائل -: ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ؛ و " الفحشاء " : الأمر الزائد في القبح؛ الذي يتجاوز كل حد؛ و " المنكر " : الأمر الذي تنكره العقول؛ والفطرة المستقيمة؛ ولا يقبله الناس؛ ولا يرضاه ذوو الكرامات؛ والذين يتطهرون في أقوالهم وأفعالهم. [ ص: 5167 ] وقوله (تعالى): فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ؛ ليست جواب الشرط؛ بل هو يومئ إليه؛ لأنه علة؛ ويكون مجرى البيان: ومن يتبع خطوات الشيطان فهو منساق إلى الفساد؛ لأنه يأمر بالفحشاء والمنكر؛ وعبر - سبحانه - عن وسوسة الشيطان وإغوائه بالأمر؛ لأنه يستولي على من اتبعه؛ وكأنه سلطان مسيطر يأمره وينهاه؛ ولا سلطان على نفس الضال غيره; لأنه رضي مسلك الشيطان طريقا؛ وهو ينتهي لا محالة إلى الضلال؛ الذي لا هداية معه قط.

                                                          وإن الله - سبحانه - بفضله ورحمته لا يترك الناس تحت إغواء الشيطان؛ ودنسه؛ ولذا قال (تعالى): ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم " الزكاة " ؛ تطلق بمعنى التنمية؛ وتطلق بمعنى الطهارة؛ وهنا بمعنى تزكية العقول في النفس؛ وامتلائها طهرا وعفافا وإيمانا؛ أي أنه لولا فضل الله (تعالى) بالموعظة والهداية وتربية النفوس بالتقوى؛ ورحمته بهدايتكم وقبولكم للحق وتجنبكم مخاوف الشيطان؛ ما طهر منكم من أحد أبدا؛ وقد أكد - سبحانه - جواب الشرط وعمومه - أولا - بـ " من " ؛ الدالة على استغراق النفي للآحاد والجماعة؛ وأكد النفي أيضا بدخول " من " ؛ على " أحد " ؛ كما أكده بذكر " أبدا " ؛ وذلك لأن الشيطان يأتي النفوس من قبل أهوائها وشهواتها؛ وشهوات النفس حلوة؛ ولكنها وبيئة؛ ولكن الله (تعالى) لا يترك عباده جميعا تحت غواية الشيطان الرجيم؛ فهو يجتبي من عباده من يزكيه ويطهره في قلبه ولسانه ونفسه؛ ولا يشاء الله (تعالى) لعبده تلك الطهارة إلا إذا سلك سبيلها؛ واختار نجدها؛ فيأخذه إلى ما اختار.

                                                          ثم ختم الله (تعالى) الآية بقوله - تعالت كلماته -: والله سميع عليم ؛ أي: واسع الرحمة والفضل؛ عليم بمن يستحقها؛ فيتوجه إليه - سبحانه وتعالى - بأن يسلك به طريق الهداية والطهارة.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية