(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=50ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=51ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد )
قوله تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=50ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=51ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد ) .
اعلم أنه تعالى لما شرح أحوال هؤلاء الكفار شرح أحوال موتهم ، والعذاب الذي يصل إليهم في ذلك الوقت ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=28929قرأ ابن عامر وحده " إذ تتوفى " بالتاء على تأنيث لفظ الملائكة والجمع ، والباقون بالياء على المعنى .
المسألة الثانية : جواب " لو " محذوف ، والتقدير : لرأيت منظرا هائلا ، وأمرا فظيعا ، وعذابا شديدا .
المسألة الثالثة : " ولو ترى " ولو عاينت وشاهدت ؛ لأن "لو" ترد المضارع إلى الماضي كما ترد "إن" الماضي إلى المضارع .
المسألة الرابعة : الملائكة رفعها بالفعل ، ويضربون حال منهم ، ويجوز أن يكون في قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=50يتوفى ) ضمير لله تعالى ، والملائكة مرفوعة بالابتداء ، ويضربون خبر .
المسألة الخامسة : قال
الواحدي : معنى يتوفى الذين كفروا يقبضون أرواحهم على استيفائها وهذا يدل على أن الإنسان شيء مغاير لهذا الجسد ، وأنه هو الروح فقط ؛ لأن قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=50يتوفى الذين كفروا ) يدل على أنه استوفى الذات الكافرة ، وذلك يدل على أن الذات الكافرة هي التي استوفيت من هذا الجسد ، وهذا برهان ظاهر على أن الإنسان شيء مغاير لهذا الجسد ،
nindex.php?page=treesubj&link=28979_30773وقوله :( nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=50يضربون وجوههم وأدبارهم ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : كان المشركون إذا أقبلوا بوجوههم إلى المسلمين ضربوا وجوههم بالسيف ، وإذا ولوا ضربوا أدبارهم ، فلا جرم قابلهم الله بمثله في وقت نزع الروح ، وأقول : فيه معنى آخر ألطف منه ، وهو أن روح الكافر إذا خرج من جسده فهو معرض عن عالم الدنيا مقبل على الآخرة ، وهو لكفره لا يشاهد في عالم الآخرة إلا الظلمات ، وهو لشدة حبه للجسمانيات ، ومفارقته لها لا ينال من مباعدته عنها إلا الآلام والحسرات ، فبسبب مفارقته لعالم الدنيا تحصل له الآلام بعد الآلام والحسرات ، وبسبب إقباله على الآخرة مع عدم النور والمعرفة ، ينتقل من ظلمات إلى ظلمات ، فهاتان الجهتان هما المراد من قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=50يضربون وجوههم وأدبارهم ) .
ثم قال تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=50وذوقوا عذاب الحريق ) وفيه إضمار ، والتقدير : ونقول : ذوقوا عذاب الحريق ، ونظيره في القرآن كثير ، قال تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=127وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا ) [البقرة : 127] أي ويقولان : ربنا ، وكذا قوله تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=12ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا ) [السجدة : 12] أي يقولون : ربنا ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : قول الملائكة لهم :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=50وذوقوا عذاب الحريق ) إنما صح لأنه كان مع الملائكة
[ ص: 143 ] مقامع ، وكلما ضربوا بها التهبت النار في الأجزاء والأبعاض ، فذاك قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=50وذوقوا عذاب الحريق ) قال
الواحدي : والصحيح أن هذا تقوله الملائكة لهم في الآخرة ، وأقول : أما العذاب الجسماني فحق وصدق ، وأما الروحاني فحق أيضا لدلالة العقل عليه ، وذلك لأنا بينا أن الجاهل إذا فارق الدنيا حصل له الحزن الشديد بسبب مفارقة الدنيا المحبوبة ، والخوف الشديد بسبب تراكم الظلمات عليه في عالم الخوف والحزن ، والخوف والحزن كلاهما يوجبان الحرقة الروحانية ، والنار الروحانية .
ثم قال تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=51ذلك بما قدمت أيديكم ) قيل : هذا إخبار عن قول الملائكة ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال
الواحدي : يجوز أن يقال ذلك مبتدأ ، وخبره قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=51بما قدمت أيديكم ) ويجوز أن يكون محل ذلك نصبا ، والتقدير : فعلنا ذلك بما قدمت أيديكم .
المسألة الثانية : المراد من قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=51ذلك ) هذا ، أي هذا العذاب الذي هو عذاب الحريق ، حصل بسبب ما قدمت أيديكم ، وذكرنا في قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذلك الكتاب ) [البقرة : 1 ، 2] أن معناه هذا الكتاب ، وهذا المعنى جائز .
المسألة الثالثة : ظاهر قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=51ذلك بما قدمت ) يقتضي أن فاعل هذا الفعل هو اليد ، وذلك ممتنع من وجوه :
أحدها : أن هذا العذاب إنما وصل إليهم بسبب كفرهم ، ومحل الكفر هو القلب لا اليد .
وثانيها : أن اليد ليست محلا للمعرفة والعلم ، فلا يتوجه التكليف عليها ، فلا يمكن إيصال العذاب إليها ، فوجب حمل اليد ههنا على القدرة ، وسبب هذا المجاز أن اليد آلة العمل ، والقدرة هي المؤثرة في العمل ، فحسن جعل اليد كناية عن القدرة .
واعلم أن التحقيق أن الإنسان جوهر واحد وهو الفعال وهو الدراك وهو المؤمن وهو الكافر وهو المطيع والعاصي ، وهذه الأعضاء آلات له وأدوات له في الفعل فأضيف الفعل في الظاهر إلى الآلة ، وهو في الحقيقة مضاف إلى جوهر ذات الإنسان .
المسألة الرابعة : قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=51ذلك بما قدمت أيديكم ) يقتضي أن ذلك العقاب كالأمر المتولد من الفعل الذي صدر عنه ، وقد عرفت أن
nindex.php?page=treesubj&link=29494العقاب إنما يتولد من العقائد الباطلة التي يكتسبها الإنسان ، ومن الملكات الراسخة التي يكتسبها الإنسان ، فكان هذا الكلام مطابقا للمعقول .
ثم قال تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=51وأن الله ليس بظلام للعبيد ) ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في
nindex.php?page=treesubj&link=34077محل "أن" وجهان :
أحدهما : النصب بنزع الخافض يعني بأن الله .
والثاني : أنك إن جعلت قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=51ذلك ) في موضع رفع جعلت أن في موضع رفع أيضا ، بمعنى وذلك أن الله ، قال
الكسائي : ولو كسرت ألف "أن" على الابتداء كان صوابا ، وعلى هذا التقدير يكون هذا كلاما مبتدأ منقطعا عما قبله .
المسألة الثانية : قالت
المعتزلة : لو كان تعالى يخلق الكفر في الكافر ، ثم يعذبه عليه لكان ظالما ، وأيضا قوله تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=51ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد ) يدل على أنه تعالى إنما لم يكن ظالما بهذا العذاب ؛ لأنه قدم ما استوجب عليه هذا العذاب ، وذلك يدل على أنه لو لم يصدر منه ذلك التقديم لكان الله تعالى ظالما في هذا العذاب ، فلو كان الموجد للكفر والمعصية هو الله لا العبد لوجب كون الله ظالما ، وأيضا تدل هذه الآية على كونه قادرا على الظلم ، إذ لو لم يصح منه لما كان في التمدح بنفيه فائدة .
[ ص: 144 ] واعلم أن هذه المسألة قد سبق ذكرها على الاستقصاء في سورة آل عمران ، فلا فائدة في الإعادة ، والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=50وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=51ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ )
قَوْلُهُ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=50وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=51ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا شَرَحَ أَحْوَالَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ شَرَحَ أَحْوَالَ مَوْتِهِمْ ، وَالْعَذَابَ الَّذِي يَصِلُ إِلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=28929قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحْدَهُ " إِذْ تَتَوَفَّى " بِالتَّاءِ عَلَى تَأْنِيثِ لَفْظِ الْمَلَائِكَةِ وَالْجَمْعِ ، وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ عَلَى الْمَعْنَى .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : جَوَابُ " لَوْ " مَحْذُوفٌ ، وَالتَّقْدِيرُ : لَرَأَيْتَ مَنْظَرًا هَائِلًا ، وَأَمْرًا فَظِيعًا ، وَعَذَابًا شَدِيدًا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : " وَلَوْ تَرَى " وَلَوْ عَايَنْتَ وَشَاهَدْتَ ؛ لِأَنَّ "لَوْ" تَرُدُّ الْمُضَارِعَ إِلَى الْمَاضِي كَمَا تَرُدُّ "إِنْ" الْمَاضِيَ إِلَى الْمُضَارِعِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : الْمَلَائِكَةُ رَفْعُهَا بِالْفِعْلِ ، وَيَضْرِبُونَ حَالٌ مِنْهُمْ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي قَوْلِهِ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=50يَتَوَفَّى ) ضَمِيرٌ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَالْمَلَائِكَةُ مَرْفُوعَةٌ بِالِابْتِدَاءِ ، وَيَضْرِبُونَ خَبَرٌ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : مَعْنَى يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا يَقْبِضُونَ أَرْوَاحَهُمْ عَلَى اسْتِيفَائِهَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ شَيْءٌ مُغَايِرٌ لِهَذَا الْجَسَدِ ، وَأَنَّهُ هُوَ الرُّوحُ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=50يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اسْتَوْفَى الذَّاتَ الْكَافِرَةَ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذَّاتَ الْكَافِرَةَ هِيَ الَّتِي اسْتُوفِيَتْ مِنْ هَذَا الْجَسَدِ ، وَهَذَا بُرْهَانٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ شَيْءٌ مُغَايِرٌ لِهَذَا الْجَسَدِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28979_30773وَقَوْلُهُ :( nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=50يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا أَقْبَلُوا بِوُجُوهِهِمْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ ضَرَبُوا وُجُوهَهُمْ بِالسَّيْفِ ، وَإِذَا وَلَّوْا ضَرَبُوا أَدْبَارَهُمْ ، فَلَا جَرَمَ قَابَلَهُمُ اللَّهُ بِمِثْلِهِ فِي وَقْتِ نَزْعِ الرُّوحِ ، وَأَقُولُ : فِيهِ مَعْنًى آخَرُ أَلْطَفُ مِنْهُ ، وَهُوَ أَنَّ رُوحَ الْكَافِرِ إِذَا خَرَجَ مِنْ جَسَدِهِ فَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْ عَالَمِ الدُّنْيَا مُقْبِلٌ عَلَى الْآخِرَةِ ، وَهُوَ لِكُفْرِهِ لَا يُشَاهِدُ فِي عَالَمِ الْآخِرَةِ إِلَّا الظُّلُمَاتِ ، وَهُوَ لِشِدَّةِ حُبِّهِ لِلْجُسْمَانِيَّاتِ ، وَمُفَارَقَتِهِ لَهَا لَا يَنَالُ مِنْ مُبَاعَدَتِهِ عَنْهَا إِلَّا الْآلَامَ وَالْحَسَرَاتِ ، فَبِسَبَبِ مُفَارَقَتِهِ لِعَالَمِ الدُّنْيَا تَحْصُلُ لَهُ الْآلَامُ بَعْدَ الْآلَامِ وَالْحَسَرَاتِ ، وَبِسَبَبِ إِقْبَالِهِ عَلَى الْآخِرَةِ مَعَ عَدَمِ النُّورِ وَالْمَعْرِفَةِ ، يَنْتَقِلُ مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى ظُلُمَاتٍ ، فَهَاتَانِ الْجِهَتَانِ هُمَا الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=50يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=50وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ) وَفِيهِ إِضْمَارٌ ، وَالتَّقْدِيرُ : وَنَقُولُ : ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ، وَنَظِيرُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ ، قَالَ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=127وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ) [الْبَقَرَةِ : 127] أَيْ وَيَقُولَانِ : رَبَّنَا ، وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=12وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا ) [السَّجْدَةِ : 12] أَيْ يَقُولُونَ : رَبَّنَا ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : قَوْلُ الْمَلَائِكَةِ لَهُمْ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=50وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ) إِنَّمَا صَحَّ لِأَنَّهُ كَانَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ
[ ص: 143 ] مَقَامِعُ ، وَكُلَّمَا ضَرَبُوا بِهَا الْتَهَبَتِ النَّارُ فِي الْأَجْزَاءِ وَالْأَبْعَاضِ ، فَذَاكَ قَوْلُهُ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=50وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ) قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا تَقُولُهُ الْمَلَائِكَةُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ، وَأَقُولُ : أَمَّا الْعَذَابُ الْجُسْمَانِيُّ فَحَقٌّ وَصِدْقٌ ، وَأَمَّا الرُّوحَانِيُّ فَحَقٌّ أَيْضًا لِدَلَالَةِ الْعَقْلِ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْجَاهِلَ إِذَا فَارَقَ الدُّنْيَا حَصَلَ لَهُ الْحُزْنُ الشَّدِيدُ بِسَبَبِ مُفَارَقَةِ الدُّنْيَا الْمَحْبُوبَةِ ، وَالْخَوْفُ الشَّدِيدُ بِسَبَبِ تَرَاكُمِ الظُّلُمَاتِ عَلَيْهِ فِي عَالَمِ الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ ، وَالْخَوْفُ وَالْحُزْنُ كِلَاهُمَا يُوجِبَانِ الْحُرْقَةَ الرُّوحَانِيَّةَ ، وَالنَّارَ الرُّوحَانِيَّةَ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=51ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ) قِيلَ : هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ مُبْتَدَأٌ ، وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=51بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ) وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ ذَلِكَ نَصْبًا ، وَالتَّقْدِيرُ : فَعَلْنَا ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=51ذَلِكَ ) هَذَا ، أَيْ هَذَا الْعَذَابُ الَّذِي هُوَ عَذَابُ الْحَرِيقِ ، حَصَلَ بِسَبَبِ مَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ، وَذَكَرْنَا فِي قَوْلِهِ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذَلِكَ الْكِتَابُ ) [الْبَقَرَةِ : 1 ، 2] أَنَّ مَعْنَاهُ هَذَا الْكِتَابُ ، وَهَذَا الْمَعْنَى جَائِزٌ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : ظَاهِرُ قَوْلِهِ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=51ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ ) يَقْتَضِي أَنَّ فَاعِلَ هَذَا الْفِعْلِ هُوَ الْيَدُ ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ هَذَا الْعَذَابَ إِنَّمَا وَصَلَ إِلَيْهِمْ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ ، وَمَحَلُّ الْكُفْرِ هُوَ الْقَلْبُ لَا الْيَدُ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الْيَدَ لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلْمَعْرِفَةِ وَالْعِلْمِ ، فَلَا يَتَوَجَّهُ التَّكْلِيفُ عَلَيْهَا ، فَلَا يُمْكِنُ إِيصَالُ الْعَذَابِ إِلَيْهَا ، فَوَجَبَ حَمْلُ الْيَدِ هَهُنَا عَلَى الْقُدْرَةِ ، وَسَبَبُ هَذَا الْمَجَازِ أَنَّ الْيَدَ آلَةُ الْعَمَلِ ، وَالْقُدْرَةُ هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِي الْعَمَلِ ، فَحَسُنَ جَعْلُ الْيَدِ كِنَايَةً عَنِ الْقُدْرَةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْإِنْسَانَ جَوْهَرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْفَعَّالُ وَهُوَ الدَّرَّاكُ وَهُوَ الْمُؤْمِنُ وَهُوَ الْكَافِرُ وَهُوَ الْمُطِيعُ وَالْعَاصِي ، وَهَذِهِ الْأَعْضَاءُ آلَاتٌ لَهُ وَأَدَوَاتٌ لَهُ فِي الْفِعْلِ فَأُضِيفَ الْفِعْلُ فِي الظَّاهِرِ إِلَى الْآلَةِ ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مُضَافٌ إِلَى جَوْهَرِ ذَاتِ الْإِنْسَانِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=51ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ) يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ الْعِقَابَ كَالْأَمْرِ الْمُتَوَلِّدِ مِنَ الْفِعْلِ الَّذِي صَدَرَ عَنْهُ ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29494الْعِقَابَ إِنَّمَا يَتَوَلَّدُ مِنَ الْعَقَائِدِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي يَكْتَسِبُهَا الْإِنْسَانُ ، وَمِنَ الْمَلَكَاتِ الرَّاسِخَةِ الَّتِي يَكْتَسِبُهَا الْإِنْسَانُ ، فَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ مُطَابِقًا لِلْمَعْقُولِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=51وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=34077مَحَلِّ "أَنَّ" وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : النَّصْبُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ يَعْنِي بِأَنَّ اللَّهَ .
وَالثَّانِي : أَنَّكَ إِنْ جَعَلْتَ قَوْلَهُ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=51ذَلِكَ ) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ جَعَلْتَ أَنَّ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ أَيْضًا ، بِمَعْنَى وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ ، قَالَ
الْكِسَائِيُّ : وَلَوْ كَسَرْتَ أَلِفَ "أَنَّ" عَلَى الِابْتِدَاءِ كَانَ صَوَابًا ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ هَذَا كَلَامًا مُبْتَدَأً مُنْقَطِعًا عَمَّا قَبْلَهُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : لَوْ كَانَ تَعَالَى يَخْلُقُ الْكُفْرَ فِي الْكَافِرِ ، ثُمَّ يُعَذِّبُهُ عَلَيْهِ لَكَانَ ظَالِمًا ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=51ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا بِهَذَا الْعَذَابِ ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ مَا اسْتَوْجَبَ عَلَيْهِ هَذَا الْعَذَابَ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ ذَلِكَ التَّقْدِيمُ لَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى ظَالِمًا فِي هَذَا الْعَذَابِ ، فَلَوْ كَانَ الْمُوجِدُ لِلْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ هُوَ اللَّهُ لَا الْعَبْدُ لَوَجَبَ كَوْنُ اللَّهِ ظَالِمًا ، وَأَيْضًا تَدُلُّ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى الظُّلْمِ ، إِذْ لَوْ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ لَمَا كَانَ فِي التَّمَدُّحِ بِنَفْيِهِ فَائِدَةٌ .
[ ص: 144 ] وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قَدْ سَبَقَ ذِكْرُهَا عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .