الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فلما علم ذلك كله ، وكانت الأمثال ألصق بالبال وأكشف للأحوال مثل حالهم في هداهم الذي باعوه بالضلالة بالأمور المحسوسة ، لأن للتمثيل بها شأنا عظيما في إيصال المعاني حتى إلى الأذهان الجامدة وتقريرها فيها بقوله تعالى : مثلهم أي في حالهم هذه التي طلبوا أن يعيشوا بها كمثل الذي استوقد نارا أي طلب أن توقد له وهي هداه ليسير في نورها ، وأصلها من نار إذا نفر لتحركها واضطرابها ، فوقدت وأنارت .

                                                                                                                                                                                                                                      فلما أضاءت أي النار ، وإفراد الضمير باعتبار لفظ " الذي " فقال [ ص: 119 ] ما حوله وأراد أن ينتفع بها في إبصار ما يريد ، وهو كناية عما حصل لهم من الأمنة بما قالوه من كلمة الإسلام من غير اعتقاد ذهب الله الذي له كمال العلم والقدرة ، وجمع الضمير نظرا إلى المعنى لئلا يتوهم أن بعضهم انتفع دون بعض بعد أن أفرد تقليلا للنور وإن كان قويا في أوله لانطفائه في آخره ، فقال : بنورهم أي الذي نشأ من تلك النار بإطفائه لها ولا نور لهم سواه ؛ ولم يقل : بضوئهم ، لئلا يتوهم أن المذهوب به الزيادة فقط ، لأن الضوء أعظم من مطلق النور هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا فذهب نورهم وبقيت نارهم ليجتمع عليهم حرها مع حر الفقد لما ينفعهم من النور ، وعبر بالإضاءة أولا إشارة إلى قوة أولهم وانمحاق آخرهم ، لأن محط حالهم الباطل ، والباطل له صولة ثم تضمحل عند من ثبت لها ليتبين الصادق من الكاذب ، وعبر بالذهاب به دون إذهابه ليدل نصا على أنه سبحانه ليس معهم ، وحقق ذلك بالتعبير عن صير بترك فقال : وتركهم في ظلمات [ ص: 120 ] أي بالضلالة من قلوبهم وأبصارهم وليلهم أي ظلمات لا ينفذ فيها بصر ، فلذا كانت نتيجته لا يبصرون أي لا إبصار لهم أصلا ببصر ولا بصيرة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية