الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صيغة سبب النزول

صيغة سبب النزول إما أن تكون نصا صريحا في السببية ، وإما أن تكون محتملة .

فتكون نصا صريحا في السببية إذا قال الراوي : " سبب نزول هذه الآية كذا " ، أو إذا أتى بفاء تعقيبية داخلة على مادة النزول بعد ذكر الحادثة أو السؤال ، كما إذا قال : " حدث كذا " أو " سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كذا فنزلت الآية " - فهاتان صيغتان صريحتان في السببية سيأتي لهما أمثلة .

وتكون الصيغة محتملة للسببية ولما تضمنته الآية من الأحكام إذا قال الراوي : " نزلت هذه الآية في كذا " فذلك يراد به تارة سبب النزول ، ويراد به تارة أنه داخل في معنى الآية .

وكذلك إذا قال : " أحسب هذه الآية نزلت في كذا " أو " ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في كذا " فإن الراوي بهذه الصيغة لا يقطع بالسبب - فهاتان صيغتان تحتملان السببية وغيرها كذلك . ومثال الصيغة الأولى ما روي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال : " أنزلت نساؤكم حرث لكم . . . الآية . في إتيان النساء في أدبارهن “ .

ومثال الصيغة الثانية ما روي عن عبد الله بن الزبير " أن الزبير خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شراج من الحرة ، وكانا [ ص: 82 ] يسقيان به كلاهما النخل ، فقال الأنصاري ، سرح الماء يمر ، فأبى عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اسق يا زبير ، ثم أرسل الماء إلى جارك " فغضب الأنصاري وقال : يا رسول الله ، أن كان ابن عمتك ؟ فتلون وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال : " اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ، ثم أرسل الماء إلى جارك " . واستوعى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للزبير حقه ، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة له وللأنصاري ، فلما أحفظ رسول الله الأنصاري استرعى للزبير حقه في صريح الحكم ، فقال الزبير : ما أحسب هذه الآية إلا في ذلك : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ، قال ابن تيمية : " قولهم : نزلت هذه الآية في كذا يراد به تارة سبب النزول ، ويراد به تارة أن ذلك داخل في الآية وإن لم يكن السبب ، وقد تنازع العلماء في قول الصحابي : " نزلت هذه الآية في كذا " ، هل يجري مجرى المسند كما لو ذكر السبب الذي أنزلت لأجله أو يجري مجرى التفسير منه الذي ليس بمسند ؟ فالبخاري يدخله في المسند ، وغيره لا يدخله فيه ، وأكثر المسانيد على هذا الاصطلاح كمسند أحمد وغيره ، بخلاف ما إذا ذكر سببا نزلت عقبه فإنهم كلهم يدخلون مثل هذا في المسند “ ، وقال الزركشي في البرهان : " قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال : " نزلت هذه الآية في كذا " فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية ، لا من جنس النقل لما وقع “ .

"

التالي السابق


الخدمات العلمية