الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى :( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم ) .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أنه لما بين ما يرهب به العدو من القوة والاستظهار ، بين بعده أنهم عند الإرهاب إذا جنحوا أي مالوا إلى الصلح ، فالحكم قبول الصلح . قال النضر : جنح الرجل إلى فلان ، وجنح له إذا تابعه وخضع له ، والمعنى : إن مالوا إلى الصلح فمل إليه وأنث الهاء في لها ؛ لأنه قصد بها قصد الفعلة والجنحة ، كقوله :( إن ربك من بعدها لغفور رحيم ) أراد من بعد فعلتهم . قال صاحب "الكشاف" : السلم تؤنث [ ص: 150 ] تأنيث نقيضها وهي الحرب . قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                            السلم تأخذ منها ما رضيت به والحرب تكفيك من أنفاسها جرع



                                                                                                                                                                                                                                            وقرأ أبو بكر عن عاصم للسلم بكسر السين ، والباقون بالفتح وهما لغتان ، قال قتادة : هذه الآية منسوخة بقوله :( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) [التوبة : 5] وقوله :( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ) [التوبة : 29] وقال بعضهم : الآية غير منسوخة لكنها تضمنت الأمر بالصلح إذا كان الصلاح فيه ، فإذا رأى مصالحتهم فلا يجوز أن يهادنهم سنة كاملة ، وإن كانت القوة للمشركين جاز مهادنتهم للمسلمين عشر سنين ولا يجوز الزيادة عليها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه هادن أهل مكة عشر سنين ، ثم إنهم نقضوا العهد قبل كمال المدة .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى :( وتوكل على الله ) فالمعنى فوض الأمر فيما عقدته معهم إلى الله ليكون عونا لك على السلامة ، ولكي ينصرك عليهم إذا نقضوا العهد وعدلوا عن الوفاء ، ولذلك قال :( إنه هو السميع العليم ) تنبيها بذلك على الزجر عن نقض الصلح ؛ لأنه عالم بما يضمره العباد ، وسامع لما يقولون ، قال مجاهد : الآية نزلت في قريظة والنضير ، وورودها فيهم لا يمنع من إجرائها على ظاهر عمومها ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية