الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب نكاح الشغار ( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 187 ] نهى عن الشغار } ، والشغار أن يزوج الرجل الرجل ابنته على أن يزوجه الرجل الآخر ابنته وليس بينهما صداق ( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) قال أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا شغار في الإسلام } ( قال الشافعي ) رحمه الله وبهذا نقول والشغار أن يزوج الرجل ابنته الرجل على أن يزوجه ابنته صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى فإذا وقع النكاح على هذا فهو مفسوخ فإن دخل بها فلها المهر بالوطء ويفرق بينهما ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي قال الزهري وكان الحسن أرضاهما عن أبيهما عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر تحريم المتعة ( قال الشافعي ) والمتعة أن ينكح الرجل المرأة إلى أجل معلوم فإذا وقع النكاح على هذا فهو مفسوخ دخل بها أو لم يدخل فإن أصابها فلها المهر بالمسيس .

الخلاف في نكاح الشغار

( قال الشافعي ) رحمه الله : فقال بعض الناس أما الشغار فالنكاح فيه ثابت ولكل واحدة من المنكوحتين مهر مثلها وأما المتعة فإن قلت فهو فاسد فما يدخل علي ؟ قلت ما لا يشتبه فيه خطؤك قال وما هو ؟ قلت ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الشغار ولم تختلف الرواية عنه صلى الله عليه وسلم فأجزت الشغار الذي لا مخالف عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه ورددت نكاح المتعة وقد اختلف عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها قال فإن قلت فإن أبطلا الشرط في المتعة جاز النكاح وإن لم يبطلاه فالنكاح مفسوخ قلت له إذا تخطئ خطأ بينا قال فكيف ؟ قلت روي عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عنها وما نهى عنه حرام ما لم يكن فيه رخصة بحلال وروي عنه أنه أحله فلم تحلله وأحدثت بين الحديثين شيئا خارجا منهما خارجا من مذاهب الفقه متناقضا قال وما ذاك ؟ قلت أنت تزعم أنه لو نكح رجل امرأة على أن كل واحد منهما بالخيار كان النكاح باطلا لأن الخيار لا يجوز في النكاح لأن ما شرط في عقده الخيار لم يكن العقد فيه تاما وهذا وإن جاز في الشرع لم يجز في النكاح عندنا وعندك ، فإن قلت فإن أبطل المتناكحان نكاح المتعة الشرط فقد زعمت أن عقد النكاح وقع والجماع لا يحل فيه ولا الميراث إن مات أحدهما قبل إبطال الشرط لم تجزه بعد وقوعه غير جائز فقد أجزت فيه الخيار للزوجين وأنت تزعم أن الخيار لهما يفسد العقدة .

ثم أحللته بشيء آخر عقدة لم يشترط فيها خيار ثم أحدثت لهما شيئا من قبلك أن جعلت لهما خيارا ولو قسته بالبيوع كنت قد أخطأت فيه القياس قال ومن أين ؟ قلت : الخيار في البيوع لا يكون عندك إلا بأن يشتري ما لم ير عينه فيكون له الخيار إذا رآه أو يشتري فيجد عيبا فيكون بالخيار إن شاء رده وإن شاء حبس ، والنكاح بريء من هذين الوجهين عندك ؟ قال : نعم قلت والوجه الثاني الذي تجيز فيه الخيار في البيوع أن يتشارط المتبايعان أو أحدهما الخيار وإن وقع عقدهما البيع على غير الشرط لم يكن لهما ولا لأحد منهما خيار إلا بما وصفت من أن لا يكون المشتري رأى ما اشتراه أو دلس له بعيب ، قال : نعم قلت فالمتناكحان نكاح المتعة إنما نكحا نكاحا يعرفانه إلى مدة لم يشترطا خيارا فكيف يكون زوجها اليوم وغدا غير زوجها بغير طلاق يحدثه والعقد إذا عقد ثبت إلا أن يحدث فرقة عندك ؟ أو كيف تكون زوجة ولا يتوارثان ؟ أم كيف يتوارثان يوما ولا يتوارثان في غده ؟ قال : فإن قلت فالنكاح جائز والشرط في المدة في النكاح باطل قلت فأنت [ ص: 188 ] تحدث للمرأة والرجل نكاحا بغير رضاهما ولم يعقداه على أنفسهما وإنما قسته بالبيع والبيع لو عقد فقال البائع والمشتري أشتري منك هذا عشرة أيام كل يوم كان البيع مفسوخا لأنه لا يجوز أن أملكه إياه عشرا دون الأبد ولا يجوز أن أملكه إياه عشرا وقد شرط أن لا يملكها إلا عشرا فكان يلزمك أن لو لم يكن في نكاح المتعة خبر يحرمه أن تفسده إذا جعلته قياسا على البيع فأفسدت البيع قال فقال فإن جعلته قياسا على الرجل يشترط للمرأة دارها أن يكون النكاح ثابتا والشرط باطلا ؟ قلت له : فإن جعلته قياسا على هذا أخطأت من وجوه قال وما هي ؟ قلت من الناس من يقول لها شرطها ما كان والنكاح ثابت بينهما وبينها وبينه وما بين الزوجين من الميراث وغيره فإن قسته على هذا القول لزمك أن تقول ذلك في المتناكحين نكاح متعة .

قال : لا أقيسه على هذا القول ولا يجوز أن يثبت بينهما ما يثبت بين الزوجين وهي زوجة في أيام غير زوجة بعده ؟ فقلت : فإن قسته على من قال إن النكاح ثابت وشرطها دارها باطل فقد أحدثت لهما تزويجا بغير شرطهما أن ليسا بزوجين ما لم يرضه أحد منهما فكنت رجلا زوج اثنين بلا رضاهما ولزمك إن أخطأت القياس من وجه آخر ، قال وأين ؟ قلت : الناكحة المشترطة دارها نكحت على الأبد فليس في عقدها النكاح على الأبد شيء يفسد النكاح وشرطت أن لا يخرج بها من دارها نكحت على الأبد والشرط فهي وإن كان لها شرطها أو أبطل عنها فهي حلال الفرج في دارها وغير دارها والشرط زيادة في مهرها والزيادة في المهر عندنا وعندك كانت جائزة أو فاسدة لا تفسد العقدة والناكحة متعة لم ينكحها على الأبد إنما نكحته يوما أو عشرا فنكحته على أن زوجها حلال في اليوم أو العشر محرم بعده لأنها بعده غير زوجة لا يجوز أن يكون فرج يوطأ بنكاح يحل في هذه ويحرم في أخرى قال ما هي بقياس عليها أن تكون زوجته اليوم وغير زوجته الغد بلا إحداث فرقة .

( قال الشافعي ) رحمه الله : فقلت له أرأيت لو استقامت قياسا على واحد مما أردت أن تقيسها عليه أيجوز في العلم عندنا وعندك أن يعمد إلى المتعة وقد جاء فيها خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم وخبر بتحليل ؟ فزعمنا نحن وأنت أن التحليل منسوخ فتجعله قياسا على شيء غيره ولم يأت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر ؟ فإن جاز هذا لك جاز عليك أن يقول لك قائل حرم الطعام والجماع في الصوم والصلاة وحرم الجماع في الإحرام فأحرم الطعام فيه أو أحرم الكلام في الصوم كما حرم في الصلاة قال لا يجوز هذا في شيء من العلم تمضي كل شريعة على ما شرعت عليه وكل ما جاء فيه خبر على ما جاء ، قلت : فقد عمدت في نكاح المتعة وفيه خبر فجعلته قياسا في النكاح على ما لا خبر فيه فجعلته قياسا على البيوع وهو شريعة غيره ثم تركت جميع ما قست عليه وتناقض قولك فقال فإنه كان من قول أصحابنا إفساده فقلت فلم لم تفسده كما أفسده من زعم أن العقدة فيه فاسدة ولم تجزه كما أجازه من زعم أنه حلال على ما تشارطا ولم يقم لك فيه قول على خبر ولا قياس ولا معقول ؟ قال فلأي شيء أفسدت أنت الشغار والمتعة ؟ قلت : بالذي أوجب الله عز وجل علي من طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وما أجد في كتاب الله من ذلك فقال { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } وقال { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت } قال فكيف يخرج نهي النبي صلى الله عليه وسلم عندك ؟ قلت ما نهى عنه مما كان محرما حتى أحل بنص من كتاب الله عز وجل أو خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى [ ص: 189 ] من ذلك عن شيء فالنهي يدل على أن ما نهي عنه لا يحل قال ومثل ماذا ؟ قلت مثل النكاح كل النساء محرمات الجماع إلا بما أحل الله وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم من النكاح الصحيح أو ملك اليمين فمتى انعقد النكاح أو الملك بما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من النكاح الصحيح أو ملك اليمين فمتى انعقد النكاح أو الملك بما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحلل ما كان منه محرما وكذلك البيوع ثم أموال الناس محرمة على غيرهم إلا بما أحل الله من بيع وغيره فإن انعقد البيع بما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل بعقدة منهي عنه فلما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشغار والمتعة قلت : المنكوحات بالوجهين كانتا غير مباحتين إلا بنكاح صحيح ولا يكون ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من النكاح ولا البيع صحيحا .

قال هذا عندي كما زعمت ولكن قد يقول بعض الفقهاء في النهي ما قلت ويأتي نهي آخر فيقولون فيه خلافه ويوجهونه على أنه لم يرد به الحرام .

فقلت له إن كان ذلك بدلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرد بالنهي الحرام فكذلك ينبغي لهم وإن لم يكن فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دلالة لم يكن لهم أن يزعموا أن النهي مرة محرم وأخرى غير محرم فلا فرق بينهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فدلني في غير هذا على مثله ؟ فقلت أرأيت لو قال لك قائل : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها فعلمت أنه لم ينه عن الجمع بين ابنتي العم ولهما قرابة ولا بين القرابات غيرهما فكانت العمة والخالة وابنة الأخ والأخت حلالا أن يبتدأ بنكاح كل واحدة منهن على الانفراد أنهن أحللن وخرجن عن معنى الأم والبنت وما حرم على الأبد بحرمة نفسه أو بحرمة غيره فاستدللت على أن النهي عن ذلك إنما هو كراهية أن يفسد ما بينهما والعمة والخالة والدتان ليستا كابنتي العم اللتين لا شيء لواحدة منهما على الأخرى إلا للأخرى مثله فإن كانتا راضيتين بذلك مأمونتين بإذنهما وأخلاقهما على أن لا يتفاسدا بالجمع حل الجمع بينهما قال ليس ذلك له قلت : وكذلك الجمع بين الأختين قال : نعم قلت فإن نكح امرأة على عمتها فلما انعقدت العقدة قيل يمكن الجمع بينهما ماتت التي كانت عنده وبقيت التي نكح قال فعقدة الآخرة فاسدة قلت فإن قال قد ذهب الجمع وصارت التي نهي أن ينكح على هذه المرأة الميتة فقال لك أنا لو ابتدأت نكاحها الآن جاز فأقرر نكاحها الأول ؟ قال ليس ذلك له إن انعقدت العقدة بأمر نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تصح بحال يحدث بعدها فقلت له فهكذا قلت في الشغار والمتعة قد انعقد بأمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه لا نعلمه في غيره وما نهى عنه بنفسه أولى أن لا يصح مما نهى عنه بغيره فإن افترق القول في النهي كان الجمع بين المرأة وعمتها ونكاح الأخت على أختها إذا ماتت الأولى منهما قبل أن تجتمع هي والآخرة أولى أن يجوز لأنه إنما نهى عنه لعلة الجمع وقد زال الجمع قال فإن زال الجمع فإن العقد كان وهو ثابت على الأولى فلا يثبت على الآخرة وهو منهي عنه قلت له : فالذي أجزته في الشغار والمتعة هكذا أو أولى أن لا يجوز من هذا ؟ فقلت له : أرأيت لو قال قائل : إنه أمر بالشهود في النكاح أن لا يتجاحد الزوجان فيجوز النكاح على غير الشهود ما تصادقا ؟ قال لا يجوز النكاح بغير شهود .

قلت : وإن تصادقا على أن النكاح كان جائزا أو أشهدا على إقرارهما بذلك ؟ قال لا يجوز .

قلت ولم ؟ ألأن المرأة كانت غير حلال إلا بما أحلها الله ثم رسوله صلى الله عليه وسلم به فلما انعقدت عقدة النكاح بغير ما أمر به لم يحل المحرم إلا من حيث أحل ؟ قال نعم قلت فالأمر بالشهود لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرا بثبوت النهي عن الشغار والمتعة ولو ثبت كنت به محجوجا لأنك إذا قلت في النكاح بغير سنة لا يجوز لأن عقد النكاح كان بغير كمال ما [ ص: 190 ] أمر به وإن انعقدت بغير كمال ما أمر به فهي فاسدة قلنا لك فأيهما أولى أن يفسد العقدة التي انعقدت بغير ما أمر به أو العقدة التي انعقدت بما نهي عنه والعقدة التي تعقد بما نهي عنه تجمع النهي وخلاف الأمر ؟ قال كل سواء قلت وإن كانا سواء لم يكن لك أن تجيز واحدة وترد مثلها أو أوكد وإن من الناس لمن يزعم أن النكاح بغير بينة جائز غير مكروه كالبيوع وما من الناس أحد إلا يكره الشغار وينهي عنه وأكثرهم يكره المتعة وينهي عنها ومنهم من يقول يرجم فيها من ينكحها وقد { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل أن يقبض } أفرأيت لو تبايع رجلان بطعام قبل أن يقبض ثم تقابضا فذهب الغرر أيجوز ؟ قال : لا لأن العقدة انعقدت فاسدة منهيا عنها قلت وكذلك إذا نهي عن بيع وسلف وتبايعا أيتم البيع ويرد السلف لو رفعا إليك ؟ قال لا يجوز لأن العقدة انعقدت فاسدة .

قيل : وما فسادها وقد ذهب المكروه منها ؟ قال انعقدت بأمر منهي عنه .

قلنا : وهكذا أفعل في كل أمر ينهى عنه ولو لم يكن في إفساد نكاح المتعة إلا القياس انبغى أن يفسد من قبل أنها إذا زوجت نفسها يومين كنت قد زوجت كل واحد منهما ما لم يزوج نفسه وأبحت له ما لم يبح لنفسه قال فكيف تفسده ؟ قلت لما كان المسلمون لا يجيزون أن يكون النكاح إلا على الأبد حتى يحدث فرقة لم يجز أن يحل يومين ويحرم أكثر منهما ولم يجز أن يحل في أيام لم ينكحها فكان النكاح فاسدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية