الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 95 ] ( باب اليمين في الدخول والسكنى ) [ ص: 96 ] ( ومن حلف لا يدخل الكعبة أو المسجد أو البيعة أو الكنيسة لم يحنث ) لأن البيت ما أعد للبيتوتة وهذه البقاع ما بنيت لها ( وكذا إذا دخل دهليزا أو ظلة باب الدار ) لما ذكرنا ، والظلة ما تكون على السكة ، وقيل إذا كان الدهليز بحيث لو أغلق الباب يبقى داخلا وهو مسقف يحنث لأنه يبات فيه عادة [ ص: 97 ] ( وإن دخل صفة حنث ) لأنها تبنى للبيتوتة فيها في بعض الأوقات فصار كالشتوي والصيفي . وقيل هذا إذا كانت الصفة ذات حوائط أربعة ، وهكذا كانت صفافهم . وقيل الجواب مجرى على إطلاقه وهو الصحيح .

التالي السابق


( باب اليمين في الدخول والسكنى )

أراد بيان الأفعال التي يحلف عليها فعلا فعلا فبدأ بفعل السكنى لأن أول الأفعال التي يحتاج إليها الإنسان أن يحل مكانا ثم يفعل ما يحتاج إليه من اللبس والأكل وغيره ، وكل من الأكل والشرب وإن كان من الضروريات [ ص: 96 ] لكن حاجة الحلول في مكان ألزم للجسم من أكله ولبسه ( قوله ومن حلف لا يدخل بيتا فدخل الكعبة أو المسجد أو الكنيسة ) وهو متعبد اليهود أو البيعة وهو متعبد النصارى لم يحنث لأن الأصل أن الأيمان مبنية على العرف عندنا لا على الحقيقة اللغوية كما نقل عن الشافعي رحمه الله ، ولا على الاستعمال القرآني كما عن مالك رحمه الله ، ولا على النية مطلقا كما عن أحمد رحمه الله ، لأن المتكلم إنما يتكلم بالكلام العرفي : أعني الألفاظ التي يراد بها معانيها التي وضعت لها في العرف ، كما أن العربي حال كونه بين أهل اللغة إنما يتكلم بالحقائق اللغوية فوجب صرف ألفاظ المتكلم إلى ما عهد أنه المراد بها .

ثم من المشايخ ما جرى على هذا الإطلاق فحكم في الفرع الذي ذكره صاحب الذخيرة والمرغيناني وهو ما إذا حلف لا يهدم بيتا فهدم بيت العنكبوت أنه يحنث بأنه خطأ ، ومنهم من قيد حمل الكلام على العرف بما إذا لم يكن العملي بحقيقته .

ولا يخفى أن هذا يصير المعتبر الحقيقة اللغوية إلا ما من الألفاظ ليس له وضع لغوي بل أحدثه أهل العرف ، وأن ما له وضع لغوي ووضع عرفي يعتبر معناه اللغوي وإن تكلم به متكلم من أهل العرف ، وهذا يهدم قاعدة حمل الأيمان على العرف فإنه لم يصير المعتبر إلا اللغة إلا ما تعذر وهذا بعيد ، إذ لا شك أن المتكلم لا يتكلم إلا بالعرف الذي به التخاطب سواء كان عرف اللغة إن كان من أهل اللغة أو غيرها إن كان من غيرها . نعم ما وقع استعماله مشتركا بين أهل اللغة وأهل العرف تعتبر اللغة على أنها العرف ، فأما الفرع المذكور فالوجه فيه أنه إن كان نواه في عموم بيتا حنث ، وإن لم يخطر له وجب أن لا يحنث لانصراف الكلام إلى المتعارف عند إطلاق لفظ بيت ، وظهر أن مرادنا بانصراف الكلام إلى العرف أنه إذا لم يكن له نية كان موجب الكلام ما يكون معنى عرفيا له ، وإن كان له نية شيء واللفظ يحتمله انعقد اليمين باعتباره ، إذا عرفنا هذا فالكعبة وإن أطلق عليها بيت في قوله تعالى { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة } وكذا المسجد في قوله تعالى [ ص: 97 ] { في بيوت أذن الله أن ترفع } وكذا بيت العنكبوت وبيت الحمام ، ولكن إذا أطلق البيت في العرف فإنما يراد به ما يبات فيه عادة فدخل الدهليز إذا كان كبيرا بحيث يبات فيه لأن مثله يعتاد بيتوتة للضيوف في بعض القرى وفي المدن يبيت فيه بعض الأتباع في بعض الأوقات فيحنث .

والحاصل أن كل موضع إذا أغلق الباب صار داخلا يمكنه الخروج من الدار وله سعة يصلح للمبيت مسقف يحنث بدخوله ، وعلى هذا يحنث بالصفة سواء كان لها أربع حوائط كما هي صفاف الكوفة أو ثلاثة على ما صححه المصنف بعد أن يكون مسقفا كما هي صفاف ديارنا لأنه يبات فيه ، غاية الأمر أن مفتحه واسع ، وكذا الظلة إذا كان معناها ما هو داخل الباب مسقفا ، بخلاف ما إذا كان ساباطا وهو ما على ظاهر الباب في الشارع من سقف له جذوع أطرافها على جدار الباب وأطرافها الأخرى على جدار الجار المقابل له ، وسيأتي أن السقف ليس شرطا في مسمى البيت فيحنث وإن لم يكن الدهليز مسقفا .




الخدمات العلمية