الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( وإن زوحم المأموم عن السجود في الجمعة نظرت فإن قدر أن يسجد على ظهر إنسان لزمه أن يسجد ; لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : { إذا اشتد الزحام فليسجد ، أحدكم على ظهر أخيه } وقال بعض أصحابنا : فيه قول آخر قاله في القديم : أنه بالخيار ، إن شاء سجد على ظهر إنسان وإن شاء ترك حتى يزول الزحام ; لأنه إذا سجد حصلت له فضيلة المتابعة ، وإذا انتظر زوال الزحمة حصلت له فضيلة السجود على الأرض فخير بين الفضيلتين ، والأول أصح ; لأن ذلك يبطل بالمريض إذا عجز عن السجود على الأرض فإنه يسجد على حسب حاله ولا يؤخر ، وإن كان في التأخير فضيلة السجود على [ ص: 434 ] الأرض ، وإن لم يقدر على السجود بحال انتظر حتى يزول الزحام ، فإن زال الزحام - لم يخل إما أن يدرك الإمام قائما أو راكعا أو رافعا من الركوع أو ساجدا - فإن أدركه قائما سجد ، ثم تبعه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز ذلك بعسفان للعذر ، والعذر هنا موجود ، فوجب أن يجوز فإن فرغ من السجود فأدرك الإمام راكعا في الثانية ففيه وجهان ( أحدهما ) : يتبعه في الركوع ولا يقرأ ، كمن حضر ، والإمام راكع ( والثاني ) : أنه يشتغل بما عليه من القراءة ; لأنه أدرك مع الإمام محل القراءة بخلاف من حضر والإمام راكع .

                                      ( فصل ) فإن زال الزحام فأدرك الإمام رافعا من الركوع أو ساجدا سجد معه ; لأن هذا موضع سجوده وحصلت له ركعة ملفقة ، وهل يدرك بها الجمعة ؟ فيه وجهان ، قال أبو إسحاق : يدرك لقوله صلى الله عليه وسلم { من أدرك من الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى } وقال أبو علي بن أبي هريرة : لا يدرك ; لأن الجمعة صلاة كاملة ، فلا تدرك إلا بركعة كاملة وهذه ركعة ملفقة .

                                      ( فصل ) إن زال الزحام وأدرك الإمام راكعا ففيه قولان ( أحدهما ) : يشتغل بقضاء ما فاته ثم يركع ; لأنه شارك الإمام في جزء من الركوع ، فوجب أن يسجد كما لو زالت الزحمة فأدركه قائما ( والثاني ) : يتبع الإمام في الركوع ; لأنه أدرك الإمام راكعا ، فلزمه متابعته كمن دخل في صلاة ، والإمام فيها راكع فإن قلنا : إنه يركع معه - نظرت - فإن فعل ما قلناه وركع حصل له ركوعان ، وبأيهما يحتسب ؟ فيه قولان ( أحدهما ) : يحتسب بالثاني كالمسبوق إذا أدرك الإمام راكعا فركع معه ( والثاني ) : يحتسب بالأول ; لأنه قد صح الأول ، فلم يبطل بترك ما بعده كما لو ركع ونسي السجود فقام أو ركع ثم سجد ، فإن قلنا : إنه يحتسب بالثاني حصل له مع الإمام ركعة فإذا سلم أضاف [ إليها ] أخرى وسلم وإذا قلنا : يحتسب بالأول حصل له ركعة ملفقة ; لأن القيام والقراءة والركوع حصل له من الركعة الأولى وحصل له السجود من الثانية ، وهل يصير مدركا للجمعة ؟ فيه وجهان قال أبو إسحاق : يكون مدركا ، وقال ابن أبي هريرة : لا يكون مدركا فإذا قلنا بقول أبي إسحاق أضاف إليها أخرى وسلم ، وإذا قلنا بقول ابن أبي هريرة قام وصلى ثلاث ركعات وجعلها ظهرا .

                                      ومن أصحابنا من قال : يجب أن يكون فيه وجهان بناء على القولين فيمن صلى الظهر قبل أن يصلي الإمام الجمعة ، وهذا قد صلى ركعة من الظهر قبل فراغ الإمام من الجمعة فلزمه أن يستأنف الظهر بعد فراغه وقال شيخنا القاضي أبو الطيب الطبري : الصحيح هو الأول والبناء على القولين لا يصح ; لأن القولين فيمن صلى الظهر قبل فراغ الإمام من الجمعة من غير عذر ، والمزحوم معذور فلم تجب عليه إعادة الركعة التي صلاها قبل فراغ الإمام ، ولأن القولين فيمن ترك الجمعة وصلى الظهر منفردا ; وهذا قد دخل مع الإمام في الجمعة فلم تجب [ ص: 435 ] عليه إعادة ما فعل ; كما لو أدرك الإمام ساجدا في الركعة الأخيرة فإنه يتابعه ثم يبنى الظهر على ذلك الإحرام ولا يلزمه الاستئناف .

                                      وإن خالف ما قلناه واشتغل بقضاء ما فاته فإن اعتقد أن السجود فرضه لم يعد سجوده ; لأنه سجد في موضع الركوع ولا تبطل صلاته ; لأنه زاد فيها زيادة من جنسها جاهلا فهو كمن زاد في صلاته من جنسها ساهيا ، وإن اعتقد أن فرضه المتابعة فإن لم ينو مفارقته بطلت صلاته ; لأنه سجد في موضع الركوع عامدا ، وإن نوى مفارقة الإمام ففيه قولان .

                                      ( أحدهما ) : تبطل صلاته .

                                      ( والثاني ) : لا تبطل ويكون فرضه الظهر .

                                      وهل يبني أو يستأنف الإحرام بعد فراغ الإمام ؟ على القولين في غير المعذور إذا صلى الظهر قبل صلاة الإمام .

                                      وأما إذا قلنا : إن فرضه الاشتغال بما فاته نظرت فإن فعل ما قلناه وأدرك الإمام راكعا تبعه فيه ويكون مدركا للركعتين ، وإن أدركه ساجدا فهل يشتغل بقضاء ما فاته ؟ أو يتبعه في السجود ؟ فيه وجهان .

                                      ( أحدهما ) : يشتغل بقضاء ما فاته ; لأن على هذا القول الاشتغال بالقضاء أولى من المتابعة ، ومنهم من قال : يتبعه في السجود ، وهو الأصح ; لأن هذه الركعة لم يدرك منها شيئا يحتسب له به فهو كالمسبوق إذا أدرك الإمام ساجدا ، بخلاف الركعة الأولى ، فإن هناك أدرك الركوع وما قبله ، فلزمه أن يفعل ما بعده من السجود .

                                      فإذا قلنا : يسجد كان مدركا للركعة الأولى إلا أن بعضها أدركه فعلا ، وبعضها أدركه حكما ; لأنه تابعه إلى السجود ، ثم انفرد بفعل السجدتين ، وهل يدرك بهذه الركعة الجمعة ؟ على وجهين ; لأنه إدراك ناقص فهو كالتلفيق في الركعة ، وإن سلم الإمام قبل أن يسجد المأموم السجدتين لم يكن مدركا للجمعة - قولا واحدا - وهل يستأنف الإحرام ؟ أو يبني على ما ذكرناه من الطريقين ؟ فإن خالف ما قلناه وتبعه في الركوع - فإن كان معتقدا أن فرضه الاشتغال بالسجود - بطلت صلاته ; لأنه ركع في موضع السجود عامدا ، وإن اعتقد أن فرضه المتابعة لم تبطل صلاته ; لأنه زاد في الصلاة من جنسها جاهلا ، ويحتسب بهذا السجود ويحصل له ركعة ملفقة .

                                      وهل يصير مدركا للجمعة ؟ على الوجهين ; وإن زوحم عن السجود وزالت الزحمة والإمام قائم في الثانية ، وقضى ما عليه وأدركه قائما أو راكعا فتابعه فلما سجد في الثانية زحم عن السجود فزال الزحام ، وسجد ورفع رأسه وأدرك الإمام في التشهد فقد أدرك الركعتين ، بعضهما فعلا وبعضهما حكما ، وهل يكون مدركا للجمعة ؟ على الوجهين ، وإن ركع مع الإمام الركعة الأولى ثم سها حتى صلى الإمام هذه الركعة وحصل في الركوع في الثانية قال القاضي أبو حامد : يجب أن يكون على قولين كالزحام ، ومن أصحابنا من قال : يتبعه - قولا واحدا - ; لأنه مفرط في السهو ، فلم يعذر في الانفراد عن الإمام وفي الزحام غير مفرط ، فعذر في الانفراد عن الإمام ) .

                                      التالي السابق


                                      [ ص: 436 ] الشرح ) هذه المسألة موصوفة عند الأصحاب بالإعضال لكثرة فروعها وتشعيبها واستمدادها من أصول ، فاختصار الأحكام ملخصة فيها مع الإشارة إلى أطراف خفي الأدلة أقرب إلى ضبطها ، والاحتواء عليها ، فلهذا أسلك هذا الطريق فيها إن شاء الله - تعالى - وهذا الأثر المذكور عن عمر رضي الله عنه رواه البيهقي بإسناد صحيح .

                                      قال أصحابنا : إذا منعته الزحمة من السجود على الأرض في الركعة الأولى من الجمعة مع الإمام - فإن أمكنه أن يسجد على ظهر إنسان أو رجله أو غير ذلك من أعضائه - قال الشيخ نصر المقدسي وغيره : أو ظهر بهيمة لزمه ذلك على الصحيح الذي قطع به الجمهور ونص عليه الشافعي ، ومن أصحابنا من قال : فيه قولان : ( أحدهما ) : هذا ( والثاني ) : قاله في القديم : يتخير إن شاء سجد على الظهر وإن شاء صبر ليسجد على الأرض ، وهذا الطريق حكاه المصنف وآخرون ، واتفقوا على أن المذهب وجوب السجود على الظهر ونحوه للحديث الصحيح { وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } ولأثر عمر ولأنه متمكن منه .

                                      ثم قال الجمهور : إنما يسجد على الظهر ونحوه إذا أمكنه رعاية هيئة السجود بأن يكون على موضع مرتفع ، فإن لم يكن فالمأتي به ليس بسجود فلا يجوز فعله وفيه وجه ضعيف أنه لا يضر هنا ارتفاع رأسه وخروجه عن هيئة الساجد للعذر حكاه الرافعي وغيره ، والمذهب الأول ; فإذا أمكنه السجود على ظهر ونحوه فلم يسجد فهو متخلف بلا عذر ، هذا هو الصحيح وبه قطع المتولي والبغوي .

                                      وفيه وجه أنه متخلف بعذر ، حكاه الرافعي ، وإن لم يتمكن من السجود على الأرض ولا على ظهر ولا غيره فأراد الخروج من متابعة الإمام لهذا العذر ويتمها ظهرا ففي صحتها القولان فيمن صلى الظهر قبل فوات الجمعة .

                                      قال إمام الحرمين : ويظهر منعه من الانفراد ; لأن الجمعة واجبة فالخروج منها مع توقع إدراكها لا وجه له ، أما إذا عجز عن السجود على الأرض والظهر ودام على المتابعة فماذا يصنع ؟ فيه ثلاثة أوجه : ( الصحيح ) : أنه ينتظر التمكن ، وبهذا قطع المصنف والأكثرون .

                                      وقال القاضي أبو الطيب والأصحاب يستحب للإمام أن يطول القراءة ليلحقه منتظر السجود ( والثاني ) : يومئ بالسجود [ ص: 437 ] أكثر ما يمكنه كالمريض ( والثالث ) : يتخير بينهما فإذا قلنا بالصحيح فله حالان ( إحداهما ) : أن يتمكن من السجود قبل ركوع الإمام في الثانية فيسجد عند تمكنه ، فإذا فرغ من سجوده فللإمام أربعة أحوال : ( أحدها ) : أن يكون بعد في القيام فيفتتح المزحوم القراءة ، فإن أتمها قبل ركوع الإمام ركع معه وجرى على متابعته وحصلت له الجمعة فيسلم معه ، ولا يضره هذا التخلف ; لأنه معذور ، وإن ركع الإمام قبل إتمامها فهل له حكم المسبوق ؟ فيه وجهان ، وقد بينا حكم المسبوق في باب صلاة الجماعة ( أصحهما ) عند الجمهور : له حكمه ، فيقطع القراءة ويركع مع الإمام ; لأنه معذور في التخلف فأشبه المسبوق ، وممن صحح هذا الشيخ أبو حامد والماوردي والمحاملي وابن الصباغ والشاشي وآخرون ( والثاني ) : يلزمه أن يتم الفاتحة ; لأنه عذر نادر بخلاف المسبوق ، وصححه البغوي وصاحب العدة .

                                      وقال إمام الحرمين والبغوي وغيرهما : فإذا قلنا : يقرأ لم يقطع القدوة ، بل يقرأ ويتبع الإمام جهده فيركع ويجري على ترتيب صلاة نفسه قاصدا لحوق الإمام ويكون مدركا للركعتين على حكم الجماعة ، ولا يضره التخلف بأركان ، ويكون حكم القدوة جاريا عليه ، فيلحقه سهو الإمام ويحمل الإمام سهوه .

                                      وقال صاحب الشامل : إذا قلنا : يقرأ فإنما يلزمه أن يقرأ إذا لم يخف فوت الركوع ; فإن خاف فوته قبل فراغ الفاتحة فهو على القولين فيمن أدركه راكعا وهذا الذي قاله صاحب الشامل ضعيف ، وخلاف قول الجمهور .

                                      ( الحال الثاني ) : للإمام أن يكون راكعا فوجهان : ( أصحهما ) عند الجمهور يترك القراءة ويركع معه ; لأنه لم يدرك محل القراءة فسقطت عنه كالمسبوق ( والثاني ) : يلزمه قراءة الفاتحة ويسعى وراء الإمام ، وهو متخلف بعذر ( الحال الثالث ) : أن يكون رافعا من الركوع ولم يسلم بعد ، فإن قلنا في الحال الثاني هو كالمسبوق تابع الإمام فيما هو فيه ولا يحسب له ، بل يلزمه بعد سلام الإمام ركعة ثانية ، وإن قلنا : ليس كالمسبوق اشتغل بترتيب صلاة نفسه ، وقيل : يتعين متابعة الإمام وجها واحدا لكثرة ما فاته .

                                      ( الحال الرابع ) : للإمام أن يكون متحللا من صلاته فلا يكون مدركا [ ص: 438 ] للجمعة ; لأنه لم تتم له ركعة قبل سلام الإمام ، ولو رفع رأسه من السجود ثم سلم الإمام عقبه كان مدركا للجمعة فيأتي بركعة أخرى .

                                      قال إمام الحرمين : وإذا جوزنا له التخلف وأمرناه بالجريان على ترتيب نفسه فالوجه أن يقتصر على الفرائض فعساه يدرك ، ويحتمل أن يجوز له فعل السنن مقتصرا على الوسط منها ( الحال الثاني ) : للمأموم ألا يتمكن من السجود حتى يركع الإمام في الثانية وفيه قولان مشهوران ( أصحهما ) ، وهو نصه في الأم والمختصر ، وأحد قوليه في الإملاء : يلزمه متابعة الإمام فيركع معه ، صححه البغوي والرافعي وآخرون ، وهو اختيار القفال .

                                      قال البغوي : هو القول الجديد ودليله أن متابعة الإمام آكد ، ولهذا يتابعه المسبوق إذا أدركه راكعا ويترك القراءة والقيام ( والثاني ) : لا يجوز متابعته في الركوع بل يلزمه أن يسجد ويجري على ترتيب نفسه ، وهو أحد قوليه في الإملاء وصححه البندنيجي ; فإن قلنا : يتابعه فقد يمتثل ذلك وقد يخالفه ، فإن امتثل وركع معه فهل يحسب له الركوع الأول أم الثاني ؟ فيه خلاف حكاه المصنف وكثيرون ، قولين .

                                      وحكاه الشيخ أبو حامد وجماعة من الخراسانيين وغيرهم وجهين : ( أصحهما ) : عند الأصحاب بالركوع الأول ، صححه المحاملي وصاحب العدة والشاشي وآخرون ونقل الرافعي تصحيحه عن الأصحاب ; لأنه ركوع صح فلا يبطل بركوع آخر كما لو ركع ونسي السجود وقرأ في الركعة الثانية وركع ثم سجد فإن المحسوب له الركوع الأول بلا خلاف كما ذكره المصنف ( والثاني ) : يحسب له الركوع الثاني ; لأنه المحسوب للإمام ، فإن قلنا : المحسوب الثاني حصلت له الركعة الثانية بكمالها ، وإذا سلم الإمام ضم إليها ركعة أخرى وتمت جمعته بلا خلاف ، وإن قلنا المحسوب الأول حصلت ركعة ملفقة من ركوع الأولى وسجود الثانية .



                                      وفي إدراك الجمعة بالملفقة وجهان مشهوران : ( أصحهما ) عند الأصحاب : يدرك بها ، وهو قول أبي إسحاق المروزي ، ممن صححه القاضي أبو الطيب وإمام الحرمين وابن الصباغ والبغوي والشاشي وآخرون ; لأنها ركعة صحيحة .

                                      ( والثاني ) : لا يدرك بها ; لأنها صلاة يشترك فيها كمال [ ص: 439 ] المصلين ولا تدرك بركعة فيها نقص ، وهذا قول أبي علي بن أبي هريرة ، فإن قلنا : يدرك بها ضم إليها أخرى بعد سلام الإمام وتمت جمعته ، وإن قلنا : لا يدرك بها فقد فاتته الجمعة ; وهل تحسب له هذه الركعة من الظهر ويبني عليها بعد سلام الإمام ثلاث ركعات ؟ فيه طريقان حكاهما المصنف والأصحاب ( أصحهما ) : تحسب قولا واحدا فيبني على الظهر ( والثاني ) : فيه القولان فيمن أحرم بالظهر قبل فوات الجمعة .

                                      قال المصنف : قال القاضي أبو الطيب : هذا الطريق ليس بصحيح ; لأن القولين فيمن صلى الظهر قبل الجمعة بلا عذر ، وهذا معذور ; لأن القولين فيمن أحرم منفردا قبل فوات الجمعة ، وهذا أحرم مع الإمام فجاز له البناء ظهرا بلا خلاف ، كمن أدرك الإمام ساجدا في الأخيرة من الجمعة فأحرم معه فإنه يبني على الظهر .

                                      قال صاحب الحاوي : الطريقان مبنيان على أن الزحام عذر أم لا ؟ والصحيح أنه عذر ، أما إذا خالف واجبه فاشتغل بالسجود وترتيب نفسه - فإن فعل ذلك مع علمه بأن واجبه المتابعة ، ولم ينو مفارقة الإمام - بطلت صلاته ; لأنه يسجد في موضع الركوع عمدا عالما بتحريمه ، ويلزمه الإحرام بالجمعة إن أدرك الإمام بعد في الركوع ، وإن نوى مفارقته ففي بطلان صلاته القولان فيمن خرج من صلاة الجماعة ليتم منفردا بغير عذر فإن قلنا يبطل - لزمه الإحرام بالجمعة إن أدركها ، وإلا كان فرضه الظهر ، ويجب استئنافها وإن قلنا : لا تبطل لم تصح جمعته ; لأنه لم يصل منها ركعة مع الإمام ، وهل تصح ظهرا ؟ فيه القولان فيمن صلاها قبل فراغ الجمعة ، وقول حكاه الخراسانيون وسبق بيانه في الباب الأول في صفة الصلاة وغيرها أن الجمعة إذا فاتت لا يجوز البناء عليها بل يجب استئناف الظهر هذا كله إذا خالف عالما بأن فرضه المتابعة ، فإن كان جاهلا يعتقد فرضه السجود وترتيب نفسه أو ناسيا فيما أتى به من السجود وغيره لا يعتد به ; لأنه في غير موضعه ، ولا تبطل به صلاته ; لأنه معذور بجهله أو نسيانه ، ثم إن فرغ ، والإمام بعد في الركوع لزمه متابعته فإن تابعه فركع معه ، فالتفريع كما سبق فيما إذا لم يسجد ، وإن لم يركع معه أو كان الإمام قد فرغ من الركوع نظر - إن راعى ترتيب نفسه بأن قام بعد السجدتين وقرأ وركع وسجد - فالذي قطع به المصنف والجمهور أنه لا يعتد له بشيء مما أتى به .

                                      [ ص: 440 ] فإذا سلم الإمام سجد سجدتين لتمام الركعة ، ولا يكون مدركا للجمعة ; لأن التفريع على قول وجوب المتابعة بكل حال ، فكما لا يحتسب له السجود ، والإمام راكع لكون فرضه المتابعة لا يحسب ، والإمام في ركن بعد الركوع .

                                      وقال الصيدلاني وإمام الحرمين والغزالي : إذا فعل هذا الذي ذكرناه تمت له منهما ركعة لكنها ناقصة من وجهين ( أحدهما ) : التلفيق فإن ركوعها من الأولى وسجودها من الثانية ، وفي إدراك الجمعة بالملفقة الوجهان السابقان ( أصحهما ) : الإدراك والنقص ( الثاني ) : كونها ركعة حكمية ; لأنه لم يتابع الإمام في معظمها متابعة حسية بل حكمية .



                                      وفي إدراك الجمعة بالركعة الحكمية وجهان كالملفقة أصحهما : الإدراك ، وليس الخلاف في مطلق القدوة الحكمية ، فإن السجود في حال قيام الإمام في قدوة حكمية ، ولا خلاف أن الجمعة تدرك به ، وإنما الخلاف فيما إذا كان معظم الركعة في قدوة حكمية ، هذا كله إذا فرغ من السجدتين اللتين لم يعتد بهما وجرى على ترتيب نفسه ، فأما إذا فرغ منهما ، والإمام ساجد - يتابعه في سجدتيه ، هذه وظيفته في هذه الحالة على هذا القول فيحسبان له ، ويكون الحاصل ركعة ملفقة بلا خلاف ، وإن وجد الإمام في التشهد وافقه ، فإذا سلم سجد سجدتين وتمت له ركعة ولا جمعة له ; لأنه لم يتم الركعة في حال صلاة الإمام وصار فرضه الظهر ، وهل يستأنفها أم يبني على هذه الركعة ؟ فيه الطريقان السابقان ( أصحهما ) : يبني ( والثاني ) : على قولين ، وهكذا يفعل لو وجده قد سلم ، هذا كله إذا قلنا : يتابع الإمام ، أما إذا قلنا : لا يتابعه بل يسجد ويراعي ترتيب نفسه فله حالان ( أحدهما ) : أنه يخالف ما أمرناه فيركع مع الإمام ، فإن تعمده بطلت صلاته ويلزمه الإحرام بالجمعة إن أمكنه إدراك الإمام في الركوع ، وإن كان ناسيا أو جاهلا يعتقد أن واجبه الركوع مع الإمام لم تبطل صلاته ويكون ركوعه هذا لغوا فإذا سجد معه بعد هذا الركوع فوجهان ( أحدهما ) : لا يحسب هذا السجود ; لأنه يعتقد وجوبه لمتابعة الإمام ، وهو مخطئ في ذلك ( والثاني ) : ، وهو الصحيح وبه قطع المصنف والجمهور يحسب ; لأنه سجود في موضعه ولا يضر جهله بجهة وجوبه ، كما لو نسي سجدة من [ ص: 441 ] ركعة فإنها تحسب له من الركعة التي بعدها ، وإن كان نيته فعلها للركعة الثانية فعلى هذا يحصل له ركعة ملفقة .

                                      وفي إدراك الجمعة بها الوجهان السابقان أصحهما الإدراك ( الحال الثاني ) : أن يمتثل ما أمرناه فيسجد ويحصل له ركعة في قدوة حكمية وفي الإدراك بها الوجهان السابقان ( أصحهما ) : الإدراك .

                                      فإذا فرغ من السجود فللإمام حالان ( أحدهما ) : أن يكون فارغا من الركوع بأن يكون في السجود أو التشهد ، وفيه وجهان مشهوران حكاهما المصنف والأصحاب ( أحدهما ) : وصححه الغزالي وقطع به البغوي يشتغل بما فاته ، ويجرى على ترتيب نفسه ، فيقوم ويقرأ ويركع ; لأن الاشتغال بالفائت على هذا القول أولى من المتابعة ( وأصحهما ) عند المصنف وجمهور الأصحاب ، وبه قطع كثيرون من العراقيين وغيرهم : يلزمه متابعة الإمام فيما هو فيه فإذا سلم الإمام اشتغل بتدارك ما عليه ; لأن هذه الركعة لم يدرك منها قدرا يحسب له ، فلزمه متابعة الإمام ، كمسبوق أدرك الإمام ساجدا ، فعلى هذا لو كان الإمام عند فراغ المزحوم من السجود قد هوى للسجود فتابعه فقد والى بين أربع سجدات .

                                      وهل يحسب لإتمام الركعة الأولى السجدتان الأوليان ؟ أو الأخريان ؟ فيه وجهان بناء على القولين السابقين ، هل المحسوب الركوع الأول أم الثاني ؟ أصحهما الأوليان ، فإن قلنا : الأوليان فهي ركعة في قدوة حكمية ، وإن قلنا : الأخريان فهي ركعة ملفقة ، وفي إدراك الجمعة بالحكمية والملفقة الوجهان السابقان ، أصحهما : الإدراك ( الحال الثانية ) : للإمام أن يكون راكعا بعد ، فهل يجب عليه متابعته وتسقط عنه القراءة كالمسبوق ؟ أم يشتغل بترتيب نفسه فيقرأ ويأتي بالباقي ؟ فيه الوجهان السابقان في أول المسألة تفريعا على القول الأول وهما هنا مشهوران أصحهما : يلزمه الركوع معه ، وتسقط عنه القراءة ، وبه قطع المصنف ، وهذا اختيار منه للأصح ، وقد ذكر هو الوجهين في الصورة الأولى .

                                      وجزم هنا بأصحهما ، وربما توهم من لا أنس له أن الصورة غير الصورة وطلب بينهما فرقا وليس كذلك ، بل الصورة هي الأولى بحالها ، ولا فرق فإن قلنا : تجب متابعته وتسقط القراءة [ ص: 442 ] تابعه ، ويكون مدركا للركعتين ، فسلم مع الإمام وتمت جمعته ، وإن قلنا : يشتغل بترتيب نفسه اشتغل به ، وهو مدرك للجمعة بلا خلاف .



                                      ( فرع ) لو لم يتمكن المزحوم من السجود حتى سجد الإمام في الثانية تابعه بلا خلاف ، ثم إن قلنا : الواجب متابعة الإمام فالحاصل ركعة ملفقة ، وفي إدراك الجمعة بها الوجهان ( أصحهما ) : الإدراك .

                                      وإن قلنا : الواجب ترتيب نفسه فركعة غير ملفقة فيدرك الجمعة قطعا ، أما إذا لم يتمكن من السجود حتى تشهد الإمام فيسجد ، ثم إن أدرك الإمام قبل السلام أدرك الجمعة ، وإلا فلا جمعة له ، وهل يبني على الركعة لإتمام الظهر ؟ أم يستأنفها ؟ فيه الطريقان السابقان .

                                      قال إمام الحرمين : فلو رفع رأسه من السجدة الثانية فسلم الإمام قبل أن يعتدل المزحوم قاعدا ففيه احتمال ، قال : والظاهر أنه مدرك للجمعة ، أما إذا كان الزحام في سجود الركعة الثانية ، وقد صلى الأولى مع الإمام فيسجد متى تمكن قبل سلام الإمام أو بعده ، وجمعته صحيحة بالاتفاق ، فلو كان مسبوقا أدركه في الركعة الثانية فإن تمكن قبل سلام الإمام سجد وأدرك ركعة من الجمعة فيضم إليها أخرى ، وإن لم يتمكن حتى سلم فلا جمعة له ، فيسجد ويحصل له ركعة من الظهر على المذهب .

                                      أما إذا زحم عن ركوع الأولى حتى ركع الإمام في الثانية فيركع ويتابعه بلا خلاف ، وممن نقل الاتفاق عليه القاضي أبو الطيب ، وفي الحاصل له وجهان ( أصحهما ) : وبه قال الأكثرون ، منهم الشيخ أبو حامد : تحسب له الركعة الثانية وتسقط الأولى ، ويدرك الجمعة قولا واحدا ( والثاني ) : تحسب له ركعة ملفقة ، وفي إدراك الجمعة بها الوجهان ; وبهذا قال القاضي أبو الطيب .



                                      ( فرع ) لو زحم عن السجود وزالت الزحمة والإمام قائم في الثانية فسجد وقام وأدركه قائما وقرأ ، أو راكعا فقرأ ولحقه ، أو قلنا : تسقط عنه القراءة فركع معه ثم زحم عن السجود في الثانية ، وزال الزحام وسجد ورفع ، وأدرك الإمام في التشهد فقد أدرك الركعتين ، وفي إدراكه بهما الجمعة طريقان ، قال المصنف وشيخه القاضي أبو الطيب : في إدراكها الوجهان في الركعة [ ص: 443 ] الحكمية ، قال الشيخ أبو حامد والبندنيجي والمحاملي وصاحب العدة والأكثرون : يكون مدركا للجمعة وجها واحدا ، ويسلم مع الإمام ، واختاره ابن الصباغ وضعف قول القاضي أبي الطيب .



                                      ( فرع ) لو ركع مع الإمام ونسي السجود وبقي واقفا في الاعتدال حتى ركع الإمام في الثانية ففيه طريقان حكاهما المصنف والأصحاب ( أحدهما ) : قاله القاضي أبو حامد المروروذي والبندنيجي فيه القولان في المزحوم هل يتبع الإمام أم يشتغل بما عليه ؟ ( والطريق الثاني ) : يلزمه إتباع الإمام قولا واحدا ; لأنه مفرط في النسيان بخلاف الزحمة ، فلا يجوز له ترك المتابعة ، وصحح الشيخ أبو حامد هذا الطريق ونقله عن نص الشافعي ، وصححه أيضا الروياني ، وصحح البغوي الأول .

                                      هكذا أطلق الأكثرون المسألة .

                                      وقال الرافعي : التخلف بالنسيان هل هو كالتخلف بالزحام ؟ قيل : فيه وجهان ( أصحهما ) : نعم لعذره ( والثاني ) : لا لندوره وتفريطه قال : والمفهوم من كلام الأكثرين أن فيه تفصيلا ، فإن تأخر سجوده عن سجدتي الإمام بالنسيان ثم سجد في حال قيام الإمام فهو كالزحام ، وكذا لو تأخر لمرض ، وإن بقي ذاهلا حتى ركع الإمام في الثانية فطريقان ( أحدهما ) : كالمزحوم ، ففي قول : يركع معه وفي قول : يراعي ترتيب نفسه ( والطريق الثاني ) : يلزمه اتباعه قولا واحدا وصححه الروياني .



                                      ( فرع ) الزحام يتصور في جميع الصلوات ، وإنما ذكره الأصحاب في الجمعة ; لأنه فيها أغلب ، ولأنه يتصور في صلاة الجمعة أنواع من الإشكال والخلاف والتفريع لا يتصور مثله في غيرها ، كالخلاف في إدراك الجمعة بركعة ملفقة أو حكمية ، ولأن الجماعة شرط فيها فلا يمكنه المفارقة ما دام يتوقع إدراكها بخلاف غيرها ، فإذا زحم في غير الجمعة عن السجود فلم يتمكن منه حتى ركع الإمام في الثانية ففيه ثلاثة طرق حكاها الرافعي ( الصحيح ) : أنه على القولين في الجمعة ( أصحهما ) : يلزمه متابعة الإمام ( والثاني ) : الاشتغال بما عليه ، ويجري على ترتيب نفسه ( والطريق الثاني ) : يتابعه قطعا ( والثالث ) : يشتغل بما عليه قطعا



                                      [ ص: 444 ] فرع ) إذا عرضت في الصلاة حالة تمنع من وقوعها جمعة في صورة الزحام أو غيرها ، فهل يتم صلاته ظهرا ؟ فيه طريقان ( أصحهما ) وبه قطع المصنف وجمهور الأصحاب من العراقيين وغيرهم هذا ( والثاني ) : حكاه جماعة من الخراسانيين فيه قولان يتعلقان بالأصل الذي قدمناه مبسوطا في آخر الباب الذي قبل هذا ، أن الجمعة ظهر مقصورة أم صلاة على حيالها ؟ وفيه قولان مستنبطان من كلام الشافعي رضي الله عنه فإن قلنا : ظهر مقصورة ففات بعض شروط الجمعة أتمها ظهرا كالمسافر إذا فات بعض شروط القصر .

                                      وإن قلنا : صلاة على حيالها فهل يتمها ظهرا ؟ فيه وجهان : ( الصحيح ) يتمها ظهرا ; لأنها بدل منها أو كالبدل على ما سبق في الباب الأول من الخلاف ، فعلى هذا هل يشترط أن ينوي قلبها ظهرا ؟ أم تنقلب بنفسها ؟ فيه وجهان حكاهما إمام الحرمين وغيره ( أصحهما ) وأشهرهما لا يشترط ، وهو مقتضى كلام الجمهور ، فإن قلنا : لا يتمها ظهرا فهل تبطل ؟ أم تنقلب نفلا ؟ فيه القولان السابقان في أول باب صفة الصلاة ، فيمن صلى الظهر قبل الزوال ونظائرها ( الصحيح ) تنقلب نفلا ، قال إمام الحرمين : قول البطلان لا ينتظم تفريعه إذا أمرناه في صورة الزحام بشيء فامتثل ، فليكن ذلك مخصوصا بما إذا خالف ، والله أعلم .



                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في الزحام أما إذا زحم عن السجود ، وأمكنه السجود على ظهر إنسان ، فقد ذكرنا أن الصحيح في مذهبنا أنه يلزمه ذلك ، وبه قال عمر بن الخطاب ومجاهد والثوري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وابن المنذر ، وقال عطاء والزهري والحكم ومالك : لا يجوز ذلك ، بل ينتظر زوال الزحمة .

                                      فلو سجد لم يجزئه ، وقال الحسن البصري : هو مخير بين السجود على ظهره والانتظار ، وقال نافع مولى ابن عمر : يومئ إلى السجود ، أما إذا لم يزل الزحام حتى ركع الإمام في الثانية فالأصح عندنا : أنه يلزمه متابعة الإمام ، وهو مذهب مالك وأصح الروايتين عن أحمد ، وقال أبو حنيفة : يشتغل بالسجود .

                                      أما إذا زحم عن الركوع أو السجود حتى سلم الإمام فمذهبنا : أن المأموم المزحوم تفوته الجمعة ويتمها ظهرا أربعا وبه قال أيوب السختياني [ ص: 445 ] وقتادة ويونس وأبو ثور وابن المنذر وقال الحسن والنخعي والأوزاعي وأبو حنيفة وأحمد : يصلي الجمعة ، وقال مالك : أحب أن يتمها أربعا .




                                      الخدمات العلمية