الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الوظيفة الثالثة : أن لا يتكبر على العلم ولا يتأمر على معلم بل يلقي إليه زمام أمره بالكلية في كل تفصيل ويذعن لنصيحته إذعان المريض الجاهل للطبيب المشفق الحاذق .

وينبغي أن يتواضع لمعلمه ويطلب الثواب والشرف بخدمته من قال الشعبي صلى زيد بن ثابت على جنازة فقربت إليه بغلته ليركبها فجاء ابن عباس فأخذ بركابه فقال زيد خل عنه يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن عباس : هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء والكبراء فقبل زيد بن ثابت يده ، وقال : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم وقال صلى الله عليه وسلم : ليس من أخلاق المؤمن التملق إلا في طلب العلم .

التالي السابق


(الوظيفة الثالثة: أن لا يتكبر) المتعلم (على العلم) نفسه بأن يراه بعين الازدراء ولا تقع مهابته وشرفه وكرامته عنده موقعا (ولا يتأمر) أي: لا يصير أميرا (على المعلم) فإنه ثمرة عدم معرفة حقه (بل يلقي إليه زمام أمره بالكلية) وأصل الزمام ما يزم به البعير بحبل فيقاد، والمراد هنا تدبير أموره (في كل تفصيل) وإجمال (ويذعن) أي: ينقاد (لنصحه) وما بيديه من إشاراته (إذعان المريض الجاهل للطبيب [ ص: 312 ] المشفق الحاذق) في صنعته وإنما قيد المريض بالجاهل لأن العارف من المرضى ربما خالف طبيبه في دواء من الأدوية، فلم يتلق منه بالقبول فلا ينجع فيه ذلك الدواء، وقيد الطبيب بوصفين، الإشفاق والحذق، ولعمري هما وصفان جليلان لا يوجدان في أكثر الأطباء، وإنما ضرب المثل في ذلك؛ لأن المعلم يشفيه من أمراضه الباطنة التي أعظمها الجهل كما أن الطبيب يداويه لإذهاب الأمراض العارضة في الظاهر، وإذا وجد في المعلم الكمال في نفسه، وتهذيب لتكميل الغير مع الإشفاق والفطانة وجب على المتعلم أن يكون بين يديه مثل ذلك المريض الجاهل، بل كالميت بين يدي الغاسل أو القشة في جرية الماء (وينبغي أن يتواضع) بعين قلبه (لمعلمه) ومرشده (ويطلب الثواب) والأجر (والشرف) الأكبر والسعادة العظمى (بخدمته) والملازمة لسدته .

(قال) الإمام المتفق على ورعه وجلالة قدره أبو عمرو عامر بن شراحيل (الشعبي) من شعب همدان قال مكحول: ما رأيت أفقه منه مات بعد المائة وله نحو من ثمانين، أخرج حديثه الجماعة (صلى زيد بن ثابت) ابن الضحاك بن لوذان الأنصاري النجاري أبو سعيد وأبو حارثة صحابي مشهور كتب الوحي، قال مسروق: كان من الراسخين في العلم، مات سنة ثمان أو خمس وأربعين، وقيل: بعد الخمسين (على جنازة) هي جنازة أمه كما وقع التصريح بذلك في الرواية الآتية (فقربت له بغلة ليركبها فجاء ابن عباس) -رضي الله عنه- ما (فأخذ بركابه) تبركا وتشرفا (فقال زيد خل عنه) وفي رواية ذر (يا ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء) والكبراء أي: ذوي الأسنان والشيوخ (فقبل زيد بن ثابت يده، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) .

قال العراقي في التخريج الصغير: أخرجه الطبراني والحاكم والبيهقي في المدخل إلا أنهم قالوا: هكذا نفعل قال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط مسلم. اهـ .

وقال في التخريج الكبير: رواه الطبراني في الكبير وابن السني وأبو نعيم في كتابيهما رياضة المتعلمين والبيهقي، في المدخل من رواية رزين الرماني عن الشعبي أن زيد بن ثابت كبر على أمه أربعا وناشدها خيرا ثم أتى بدابته فأخذ ابن عباس بالركاب، فقال زيد بن ثابت: دعه أو ذر فقال ابن عباس: هكذا نفعل بالعلماء الكبراء لفظ الطبراني وإسناده صحيح، ورواه الحاكم في المستدرك من رواية أبي سلمة عن ابن عباس، أنه أخذ بركاب زيد بن ثابت فقال له: تنح ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إنا هكذا نفعل بكبرائنا وعلمائنا.

وقال صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه. اهـ .

وقد تقدم الكلام على هذا في أول الكتاب ورزين الرماني هو رزين بن حبيب الجهني الكوفي بياع الأنماط أخرج له الترمذي ووثقه أحمد وابن معين (وقال -صلى الله عليه وسلم-: ليس من أخلاق المؤمن الملق إلا في طلب العلم) .

قال العراقي: أخرجه ابن عدي من حديث معاذ وأبي أمامة بإسنادين ضعيفين. اهـ. وقال ابن القيم: قال ابن قتيبة: جاء في الحديث ليس الملق من أخلاق المؤمن إلا في طلب العلم، ثم قال: وهذا أثر عن بعض السلف قلت: قال ابن الجوزي في الموضوعات: فيه عن معاذ وأبي أمامة وأبي هريرة، فأما حديث معاذ فأخرجه ابن عدي من طريق الحسن بن واصل عن الخصيب بن جحدر عن النعمان بن نعيم عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ رفعه بالسياق السابق، قلت: هكذا هو بزيادة عبد الرحمن بن غنم بين النعمان ومعاذ، في نسخ الموضوعات وفي بعضها بإسقاطه، وهو الأشبه وهكذا رواه بإثباته أبو بكر بن السني من رواية بقية بن الوليد عن إسماعيل بن عياش عن الحسن بن دينار وهو الحسن بن واصل الذي في نص ابن الجوزي ودينار زوج أمه، فنسب إليه، واسم أبيه واصل، قال ابن الصلاح: وكأن هذا خفي على ابن أبي حاتم، حيث قال الحسن بن دينار بن واصل، قال العراقي: وعكس ذلك أبو العرب، في كتاب الضعفاء، فروى عن يحيى بن محمد بن يحيى بن سلام عن أبيه قال الحسن بن واصل بن دينار ودينار جده، وهذا وهم ورواه الديلمي من طريق أبي نعيم من رواية عمر بن إبراهيم الكردي عن الحسن بن صالح عن النعمان بن نعيم، ورواه القضاعي في مسند الشهاب من رواية عبد العزيز بن أبان عن الحسن بن دينار عن النعمان [ ص: 313 ] ابن نعيم، ثم قال ابن الجوزي، وأما حديث أبي أمامة فأخرجه ابن عدي أيضا من طريق عمر بن موسى الوجيهي عن القاسم عن أبي أمامة رفعه مثله، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن عدي أيضا من طريق ابن علاثة عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا: لا حسد ولا ملق إلا في طلب العلم، قال: ليس شيء من هذه الأحاديث يصح، أما الأول فمداره على الخصيب، وقد كذبه شعبة والقطان وابن معين، وقال ابن حبان يروي الموضوعات عن الثقات قلت: وأيضا الحسن بن واصل ضعيف جدا منسوب إلى الكذب، وأما الثاني فإن عمر بن موسى الوجيهي قال النسائي والدارقطني: متروك .

وأما الثالث: فإن علاثة اسمه محمد بن عبد الله بن علاثة لا يحتج به قال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات قال الحافظ السيوطي في كتابه اللآلئ المصنوعة بعد نقله لما تقدم: ابن علاثة روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه، ووثقه ابن معين، وقال أبو سعيد ثقة، إن شاء الله تعالى، وقال أبو زرعة: صالح، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال الذهبي هذا الحديث لعل آفته من عمرو فإنه متروك، قال: وقد أورد لابن علاثة أحاديث حسنة، وقال: أرجو أنه لا بأس به، وقال الأزدي: حديثه يدل على كذبه قال الخطيب أفرط الأزدي وأحسبه وقعت إليه روايات عمرو بن الحسين عنه، فكذبه لأجلها، وإنما الآفة من ابن الحصين فإنه كذاب، وأما ابن علاثة فقد وصفه يحيى بن معين بالثقة، قال: ولم أحفظ لأحد من الأئمة خلاف ما وصفه به يحيى. اهـ .

وهذا الحديث أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، وقال هذا الإسناد ضعيف، وكذا حديث معاذ وقال ضعيف قال وقد روي من أوجه كلها ضعيفة. اهـ .

وورد هذا الحديث أيضا عن ابن عمر، قال العراقي: روي من طريق هشام بن بشير وأزهر بن سعد السمان عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين عن ابن عمر قال ابن طاهر في الكشف عن أخبار الشهاب: وهو منكر من حديث ابن عون قال: والحمل فيه على من قبل هشام فإنهم إلى الجهالة أقرب. اهـ .

وقال السيوطي قد أورد الديلمي في مسند الفردوس من طريق ابن السني حدثنا الحسين بن عبد الله القطان عن عامر بن سيار عن أبي الصباح عن عبد العزيز بن سعيد عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: من غض صوته عند العلماء كان يوم القيامة من الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى من أصحابي ولا خير في التملق والتواضع، إلا ما كان في الله أو طلب العلم. اهـ .




الخدمات العلمية