الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 592 ] 506

ثم دخلت سنة ست وخمسمائة

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة ، في المحرم ، سار مودود ، صاحب الموصل ، إلى الرها ، فنزل عليها ، ورعى عسكره زروعها ، ورحل عنها إلى سروج ، وفعل بها كذلك وأهمل الفرنج ، ولم يحترز منهم ، فلم يشعر إلا وجوسلين ، صاحب تل باشر ، قد كبسهم ، وكانت دواب العسكر منتشرة في المرعى ، فأخذ الفرنج كثيرا منها ، وقتلوا كثيرا من العسكر ، فلما تأهب المسلمون للقائه ، عاد عنهم إلى سروج .

وفيها رحل السلطان محمد من بغداذ ، وكان مقامه هذه المرة خمسة أشهر ، فلما وصل إلى أصبهان قبض على زين الملك أبي سعد القمي ، وسلمه إلى الأمير كاميار لعداوة بينهما ، فلما وصل إلى الري أركبه كاميار على دابة بمركب ذهب ، وأظهر أن السلطان خلع عليه على مال قرره عليه ، فحصل بذلك مالا كثيرا من أهل القمي ، ثم صلبه ، وكان سبب قبضه أنه كان يكثر الطعن على الخليفة والسلطان .

وفيها كان ببغداذ رجل مغربي يعمل الكيمياء ، بزعمه ، اسمه أبو علي ، فحمل إلى دار الخلافة ، وكان آخر العهد به .

وفيها ورد إلى بغداذ يوسف بن أيوب الهمذاني ، الواعظ ، وكان من الزهاد العابدين ، فوعظ الناس بها ، فقام إليه رجل متفقه ، يقال له ابن السقاء ، فآذاه في مسألة ، وعاوده ، فقال له : اجلس ، فإني أجد من كلامك رائحة الكفر ، ولعلك تموت على غير دين الإسلام ، فاتفق بعد مديدة أن ابن السقاء خرج إلى بلاد الروم ، وتنصر .

[ ص: 593 ] وفيها ، في ذي القعدة ، سمع ببغداذ صوت هدة عظيمة ، ولم يكن بالسماء غيم حتى يظن أنه صوت رعد ، ولم يعلم أحد أي صوت كان .

وفيها توفي بسيل الأرمني ، صاحب الدروب ، ببلاد ابن لاون ، فسار طنكري ، صاحب أنطاكية ، أول جمادى الآخرة ، إلى بلاده طمعا أن يملكها ، فمرض في طريقه ، فعاد إلى أنطاكية ، فمات ثامن جمادى الآخرة وملكها بعده ابن أخته سرخالة ، واستقام الأمر فيها ، بعد أن جرى بين الفرنج خلف بسببه ، فأصلح بينهم القسوس والرهبان .

وفيها توفي قراجة ، صاحب حمص ، وكان ظالما ، وقام ولده قرجان مكانه ، وكان مثله في قبح السيرة .

[ الوفيات ]

وفي هذه السنة توفي المعمر بن علي أبو سعد بن أبي عمامة الواعظ البغداذي ، ومولده سنة تسع وعشرين وأربعمائة ، وكان له خاطر حاد ، ومجون حسن ، وكان الغالب على وعظه أخبار الصالحين .

وتوفي أحمد بن الفرج بن عمر الدينوري ، والد شهدة ، وكان يروي عن أبي يعلى بن الفراء ، وابن المأمون ، وابن المهتدي ، وابن النقور ، وغيرهم ، وكان حسن السيرة متزهدا .

[ ص: 594 ] وتوفي أبو العلاء صاعد بن منصور بن إسماعيل بن صاعد ، الخطيب النيسابوري ، وكان من أعيان الفقهاء ، وولي قضاء خوارزم ، وكان يروي الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية