الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم

                                                                                                                                                                                                                                        مثل الجنة التي وعد المتقون أي فيما قصصنا عليك صفتها العجيبة. وقيل: مبتدأ خبره: كمن هو خالد في النار وتقدير الكلام أمثل أهل الجنة كمثل من هو خالد، أو أمثل الجنة كمثل جزاء من هو خالد فعري عن حرف الإنكار وحذف ما حذف استغناء يجري مثله تصويرا لمكابرة من يسوي بين المتمسك بالبينة والتابع للهوى، بمكابرة من يسوي بين الجنة والنار، وهو على الأول خبر محذوف تقديره: أفمن هو خالد في هذه الجنة كمن هو خالد في النار، أو بدل من قوله: كمن زين وما بينهما اعتراض لبيان ما يمتاز به من على بينة في الآخرة تقريرا لإنكار المساواة. فيها أنهار من ماء غير آسن استئناف لشرح المثل أو حال من العائد المحذوف، أو خبر لـ مثل وآسن من أسن الماء بالفتح إذا تغير طعمه وريحه، أو بالكسر على معنى الحدوث. وقرأ ابن كثير «أسن». وأنهار من لبن لم يتغير طعمه لم يصر قارصا ولا حازرا. وأنهار من خمر لذة للشاربين لذيذة لا يكون فيها كراهة طعم وريح ولا غائلة سكر وخمار تأنيث لذ أو مصدر نعت به بإضمار ذات، أو تجوز وقرئت بالرفع على صفة الأنهار والنصب على العلة. وأنهار من عسل مصفى لم يخالطه الشمع وفضلات النحل وغيرها، وفي ذلك تمثيل لما يقوم مقام الأشربة في الجنة بأنواع ما يستلذ منها في الدنيا بالتجريد عما ينقصها وينغصها، والتوصيف بما يوجب غزارتها واستمرارها. ولهم فيها من كل الثمرات صنف على هذا القياس. ومغفرة من ربهم عطف على الصنف المحذوف، أو مبتدأ خبره محذوف أي لهم مغفرة. كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما مكان تلك الأشربة. فقطع أمعاءهم [ ص: 122 ] من فرط الحرارة.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية