الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 242 ] حديث فيه شفاعة الأعمال الصالحة لصاحبها عند الله يوم القيامة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال عبد الله بن المبارك : أخبرنا رشدين بن سعد ، عن حيي ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو قال : إن الصيام ، والقرآن ليشفعان للعبد ; يقول الصيام : رب منعته الطعام والشراب والشهوات بالنهار ، فشفعني فيه . ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعني فيه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى نعيم بن حماد ، عن إبراهيم بن الحكم بن أبان ، عن أبيه ، عن أبي قلابة ، قال : كان ابن أخي يتعاطى الشراب ، فمرض ، فبعث إلي ليلا أن الحق بي فأتيته ، فرأيت أسودين قد دنوا منه ، فقلت : إنا لله ، وإنا إليه راجعون ، هلك ابن أخي . فاطلع أبيضان من الكوة التي في البيت ، فقال أحدهما لصاحبه : انزل إليه . فلما نزل تنحى عنه الأسودان ، فشم فاه ، فقال : ما أرى فيه ذكرا . ثم شم بطنه ، فقال : ما أرى فيها صياما ، ثم شم رجليه ، فقال : ما أرى فيهما صلاة . فقال له صاحبه : إنا لله وإنا إليه راجعون ، رجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ليس له من الخير شيء ويحك ، عد فانظر . فعاد فنظر فلم يجد شيئا ، فنزل [ ص: 243 ] الآخر فشم ، فلم يجد شيئا ، ثم عاد ، فإذا في طرف لسانه تكبيرة في سبيل الله ، قالها ابتغاء وجه الله بأنطاكية ، فقبضوا روحه ، فشموا في البيت رائحة المسك ، وشهد الناس جنازته . حديث غريب جدا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال العلامة أبو عبد الله محمد القرطبي في " التذكرة " : وخرج أبو القاسم إسحاق بن إبراهيم بن محمد الختلي في كتاب " الديباج " له ، حدثنا أحمد بن أبي الحارث ، حدثنا عبد المجيد بن أبي رواد ، عن معمر بن راشد ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا فرغ الله من القضاء بين خلقه أخرج كتابا من تحت العرش ; إن رحمتي سبقت غضبي ، وأنا أرحم الراحمين " . قال : " فيخرج من النار مثل أهل الجنة " . أو قال : " مثلي أهل الجنة " . قال : وأكثر ظني أنه قال : " مثل أهل الجنة ، مكتوب بين أعينهم : عتقاء الله " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى الترمذي ، عن أنس ، مرفوعا : " يقول الله تعالى : أخرجوا من النار من ذكرني يوما ، أو خافني في مقام " . وقال : حسن غريب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وله عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن رجلين ممن دخل النار اشتد صياحهما ، فقال الرب تعالى : أخرجوهما . فلما أخرجا قال لهما : لأي [ ص: 244 ] شيء اشتد صياحكما ؟ فقالا : فعلنا ذلك لترحمنا . قال : إن رحمتي لكما أن تنطلقا فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار . فينطلقان فيلقي أحدهما نفسه ، فيجعلها عليه بردا وسلاما ، ويقوم الآخر ، فلا يلقي نفسه ، فيقول الرب ، عز وجل : ما منعك أن تلقي نفسك ، كما ألقى صاحبك ؟ فيقول : رب إني لأرجو أن لا تعيدني فيها بعد ما أخرجتني منها . فيقول الرب سبحانه : لك رجاؤك . فيدخلان الجنة جميعا برحمة الله " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي إسناده ضعف لحال رشدين بن سعد ، عن ابن أنعم ، وهما ضعيفان ، ولكن تغتفر رواية مثل هذا في هذا الباب ; لأنه من الترغيب والترهيب . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال عبد الله بن المبارك : أنبأنا رشدين بن سعد ، حدثنا أبو هانئ الخولاني ، عن عمرو بن مالك الجنبي ، أن فضالة بن عبيد ، وعبادة بن الصامت حدثاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان يوم القيامة ، وفرغ الله من قضاء الخلق فيبقى رجلان ، فيؤمر بهما إلى النار ، فيلتفت أحدهما ، فيقول الجبار : ردوه . فيردونه ، فيقول له : لم التفت ؟ فيقول : كنت أرجو أن تدخلني الجنة . فيؤمر به إلى الجنة ، فيقول : لقد أعطاني ربي حتى لو أني أطعمت أهل الجنة ما نقص ذلك مما عندي شيئا " . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكره يرى السرور في وجهه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية