الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وإن حكم الله (تعالى) الأخذ به من تقواه؛ والاعتصام بالعروة الوثقى؛ ولذا قال (تعالى): ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون ؛ الواو عاطفة استئنافية؛ لبيان أن من يتقي الله ويخشاه هو الذي يفوز حقا؛ ونجد هذا الكلام فيه شرط وجزاء؛ والشرط مكون من أجزاء ثلاثة؛ بعضها مترتب على بعض؛ أولها: طاعة الله ورسوله؛ بامتلاء القلب بالطاعة؛ بحيث يخضع له ظاهرا وباطنا؛ ويخضع قلبه مع خضوع كل جوارحه؛ وهذا هو الجزء الأول؛ أو النقطة الأولى من الخط المستقيم الذي يبتدئ بالطاعة؛ وامتلاء القلب؛ ثم ينتقل من الطاعة الخاضعة الخانعة إلى الخشية؛ خشية الله (تعالى)؛ إذ يعلم ذاته وصفاته؛ ويمتلئ بهيبته وطاعته؛ كما قال (تعالى): إنما يخشى الله من عباده العلماء ؛ [ ص: 5215 ] ويقول الراغب الأصفهاني: و " الخشية " : خوف يشوبه تعظيم؛ وأكثر ما يكون ذلك على علم بما يخشى منه؛ وقال (تعالى) في صفة العلماء: الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله

                                                          وإنه يجيء بعد الخشية الخوف من الله؛ واتقاء عذابه؛ ولذا قال (تعالى): ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه ؛ فـ " التقوى " : جعل وقاية بين الشخص وعذاب الله (تعالى)؛ قال (تعالى) - في وصف المؤمنين -: إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون

                                                          هذه أجزاء الشرط؛ أما الجزاء؛ فهو قوله (تعالى): فأولئك هم الفائزون ؛ الفاء فاء الجزاء؛ والإشارة إلى المتصفين بهذه الصفات الجليلة؛ والإشارة إلى موصوف بصفات تكون الصفات سبب الجزاء؛ فهذه الصفات سبب الفوز؛ والآيات تفيد قصر الفوز عليهم؛ ونصرهم؛ وذلك لتعريف الطرفين؛ وقد أكد - سبحانه وتعالى - فوزهم بالجملة الاسمية؛ وبضمير الفصل " هم " ؛ وبقصر الفوز عليهم.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية