الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 328 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ( 3 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : والله الذي مد الأرض ، فبسطها طولا وعرضا .

وقوله : ( وجعل فيها رواسي ) يقول جل ثناؤه : وجعل في الأرض جبالا ثابتة .

و "الرواسي " : جمع "راسية" وهي الثابتة ، يقال منه : "أرسيت الوتد في الأرض" : إذا أثبته ، كما قال الشاعر :


به خالدات ما يرمن وهامد وأشعث أرسته الوليدة بالفهر

يعني : أثبتته .

وقوله : ( وأنهارا ) يقول : وجعل في الأرض أنهارا من ماء .

وقوله : ( ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين 30 ) ف ( من 30 ) في [ ص: 329 ] قوله ( ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ) من صلة ( جعل ) الثاني لا الأول .

ومعنى الكلام : وجعل فيها زوجين اثنين من كل الثمرات . وعني ب ( زوجين اثنين ) : من كل ذكر اثنان ، ومن كل أنثى اثنان ، فذلك أربعة ، من الذكور اثنان ، ومن الإناث اثنتان في قول بعضهم .

وقد بينا فيما مضى أن العرب تسمي الاثنين : ( زوجين ) ، والواحد من الذكور زوجا لأنثاه ، وكذلك الأنثى الواحدة "زوجا" وزوجة لذكرها ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

ويزيد ذلك إيضاحا قول الله عز وجل : ( وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى ) [ سورة النجم : 45 ] فسمى الاثنين الذكر والأنثى ( زوجين ) .

وإنما عنى بقوله : ( زوجين اثنين ) ، نوعين وضربين .

وقوله : ( يغشي الليل النهار ) ، يقول : يجلل الليل النهار فيلبسه ظلمته ، والنهار الليل بضيائه ، كما : -

20066 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( يغشي الليل النهار ) أي : يلبس الليل النهار .

وقوله : ( إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) ، يقول تعالى ذكره : [ ص: 330 ] إن فيما وصفت وذكرت من عجائب خلق الله وعظيم قدرته التي خلق بها هذه الأشياء ، لدلالات وحججا وعظات ، لقوم يتفكرون فيها ، فيستدلون ويعتبرون بها ، فيعلمون أن العبادة لا تصلح ولا تجوز إلا لمن خلقها ودبرها دون غيره من الآلهة والأصنام التي لا تقدر على ضر ولا نفع ولا لشيء غيرها ، إلا لمن أنشأ ذلك فأحدثه من غير شيء تبارك وتعالى وأن القدرة التي أبدع بها ذلك ، هي القدرة التي لا يتعذر عليه إحياء من هلك من خلقه ، وإعادة ما فني منه وابتداع ما شاء ابتداعه بها .

التالي السابق


الخدمات العلمية