الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [2 - 4] واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا [ ص: 4823 ] وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل

                                                                                                                                                                                                                                      واتبع ما يوحى إليك من ربك أي: في ترك طاعة الكافرين والمنافقين وغير ذلك: إن الله كان بما تعملون خبيرا وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا أي: أسند أمرك إليه، وكله إلى تدبيره، فكفى به حافظا موكولا إليه كل أمر: ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم قال الزمخشري : أي: ما جمع الله قلبين في جوف، ولا زوجية وأمومة في امرأة، ولا بنوة ودعوة في رجل. والمعنى: إن الله سبحانه، كما لم ير في حكمته أن يجعل للإنسان قلبين; لأنه لا يخلو إما أن يفعل بأحدهما مثل ما يفعل بالآخر من أفعال القلوب، فأحدهما فضلة غير محتاج إليها- وإما أن يفعل بهذا غير ما يفعل بذاك، فذلك يؤدي إلى اتصاف الجملة بكونه مريدا كارها، عالما ظانا، موقنا شاكا، في حالة واحدة- لم ير أيضا أن تكون المرأة الواحدة أما لرجل زوجا له; لأن الأم مخدومة، مخفوض لها جناح الذل، والزوجة مستخدمة متصرف فيها بالاستفراش وغيره، كالمملوكة. وهما حالتان متنافيتان.

                                                                                                                                                                                                                                      وأن يكون الرجل الواحد دعيا لرجل، وابنا له; لأن البنوة أصالة النسب، وعراقة فيه، والدعوة إلصاق عارض بالتسمية لا غير، ولا يجتمع في الشيء الواحد أن يكون أصيلا غير أصيل، وهذا مثل ضربه الله في ( زيد بن حارثة )، وهو رجل من كلب سبي صغيرا، وكانت العرب في جاهليتها يتغاورون ويتسابون، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة ، فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له، وطلبه أبوه وعمه فخير، فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه، وكانوا يقولون: ( زيد بن محمد ). فأنزل الله [ ص: 4824 ] هذه الآية، وقوله: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم

                                                                                                                                                                                                                                      والتنكير في: (رجل)، وإدخال (من)، الاستغراقية على (قلبين)، تأكيدان لما قصد من المعنى كأنه قال: ما جعل الله لأمة الرجال، ولا لواحد منهم، قلبين البتة في جوفه.

                                                                                                                                                                                                                                      وفائدة ذكر (الجوف)، كالفائدة في قوله: القلوب التي في الصدور وذلك ما يحصل للسامع من زيادة التصور والتجلي للمدلول عليه; لأنه إذا سمع به، صور لنفسه جوفا يشتمل على قلبين فكان أسرع إلى الإنكار. ومعنى: (ظاهر من امرأته)، قال لها: أنت علي كظهر أمي. وكان الظهار طلاقا عند أهل الجاهلية، فكانوا يتجنبون المرأة المظاهر منها، كما يتجنبون المطلقة، وهو في الإسلام يقتضي الطلاق والحرمة إلى أداء الكفارة.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الأزهري : وخصوا (الظهر); لأنه محل الركوب. والمرأة تركب إذا غشيت، فهو كناية تلويحية، انتقل من الظهر إلى المركوب، ومنه إلى المغشي. والمعنى: أنت محرمة علي لا تركبين كما لا تركب الأم. كذا في (الكشف).

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ذلكم إشارة إلى كل ما ذكر; أي: من كونه ليس لأحد قلبان، وليست الأزواج أمهات، ولا الأدعياء أبناء، أو إلى الأخير فقط وهو الدعوة: قولكم بأفواهكم أي: لا حقيقة له فلا يقتضي دعواكم ذلك، أن يكون ابنا حقيقيا; فإنه مخلوق من صلب رجل آخر فلا يمكن أن يكون له أبوان، كما لا يمكن أن يكون لبشر واحد قلبان: والله يقول الحق أي: الثابت المحقق في نفس الأمر: وهو يهدي السبيل أي: سبيل الحق.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية