الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 254 ] فصل

والمعوذتان من القرآن واستفاضتهما كاستفاضة جميع القرآن ، وأما ما روي عن ابن مسعود . قال القاضي أبو بكر : فلم يصح عنه أنهما ليسا بقرآن ، ولا حفظ عنه أنه حكهما وأسقطهما من مصحفه لعلل وتأويلات .

قال القاضي : ولا يجوز أن يضاف إلى عبد الله ، أو إلى أبي بن كعب ، أو زيد ، أو عثمان ، أو علي ، أو واحد من ولده أو عترته جحد آية أو حرف من كتاب الله وتغييره أو قراءته على خلاف الوجه المرسوم في مصحف الجماعة بأخبار الآحاد ، وأن ذلك لا يحل ، ولا يسمع ، بل لا تصلح إضافته إلى أدنى المؤمنين في عصرنا ، فضلا عن إضافته إلى رجل من الصحابة ، وإن كلام القنوت المروي عن أبي بن كعب أثبته في مصحفه لم تقم حجة بأنه قرآن منزل ; بل هو ضرب من الدعاء ، وأنه لو كان قرآنا لنقل نقل القرآن ، وحصل العلم بصحته ، وأنه يمكن أن يكون منه كلام كان قرآنا منزلا ثم نسخ وأبيح الدعاء به ، وخلط بكلام ليس بقرآن ، ولم يصح ذلك عنه ، وإنما روي عنه أنه أثبته في مصحفه ، وقد ثبت في مصحفه ما ليس بقرآن ; من دعاء وتأويل .

وقال النووي في " شرح المهذب " : أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة [ ص: 255 ] من القرآن ، وأن من جحد منها شيئا كفر ; وما نقل عن ابن مسعود باطل ، وليس بصحيح .

وقال ابن حزم في أول كتابه " المحلى " : هذا كذب على ابن مسعود موضوع ، وإنما صح عنه قراءة عاصم عن زر بن حبيش عنه ، وفيها المعوذتان والفاتحة .

وقال القاضي أبو بكر بن الطيب في كتاب " التقريب " : لم ينكر عبد الله بن مسعود كون المعوذتين والفاتحة من القرآن ، وإنما أنكر إثباتهما في المصحف وإثبات الحمد ، لأنه كانت السنة عنده ألا يثبت إلا ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإثباته وكتبه ، ولم نجده كتب ذلك ولا سمع أمره به . وهذا تأويل منه ، وليس جحدا لكونهما قرآنا .

وفي صحيح ابن حبان عن زر : قلنا لأبي بن كعب : إن ابن مسعود لا يكتب في مصحفه المعوذتين ، فقال : قال لي رسول الله صلى عليه وسلم : قال لي جبريل : قل أعوذ برب الفلق ( الفلق : 1 ) فقلتها ، وقال لي : قل أعوذ برب الناس ( الناس : 1 ) فقلتها ، فنحن نقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية