الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        166 142 - وأما ما ذكره أيضا في هذا الباب عن ابن شهاب ، عن علي بن حسين بن أبي طالب ; أنه قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع ، فلم تزل تلك صلاته حتى لقي الله .

                                                                                                                        [ ص: 114 ] 143 - وعن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ; أن أبا هريرة كان يصلي لهم ، فيكبر كلما خفض ورفع ، فإذا انصرف قال : والله إني لأشبهكم بصلاة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        144 - وعن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ; أن عبد الله بن عمر كان يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع .

                                                                                                                        145 - وعن أبي نعيم وهب بن كيسان ، عن جابر بن عبد الله ; أنه كان يعلمهم التكبير في الصلاة . قال : فكان يأمرنا أن نكبر كلما خفضنا ورفعنا .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        4356 - وقد ذكرنا في " التمهيد " الآثار المروية المسندة في معنى حديث ابن شهاب عن علي بن حسين هذا ، منها حديث مطرف بن الشخير ، قال : صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب ، فكان إذا سجد كبر ، وإذا رفع رأسه كبر ، وإذا رفع من الركعتين كبر . فلما قضى الصلاة وانصرفنا ، أخذعمران بيدي ، فقال لي : [ ص: 115 ] أذكرني هذا صلاة محمد ، عليه السلام .

                                                                                                                        4357 - وحديث عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري ; أنه جمع قومه ، فقال : ألا أصلي لكم صلاة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ؟ فصلى بهم الظهر ، فكبر بهم اثنتين وعشرين تكبيرة ; يعني بتكبيرة الافتتاح : يكبر إذا ركع ، وإذا رفع ، وإذا سجد .

                                                                                                                        4358 - وحديث عكرمة ، قال : صليت خلف شيخ بمكة ، فكبر اثنتين وعشرين تكبيرة ، فقلت لابن عباس : إنه أحمق ، فقال : ثكلتك أمك ! سنة أبى القاسم .

                                                                                                                        4359 - وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في التمهيد .

                                                                                                                        4360 - وحديث الزهري عن أبي سلمة وأبي بكر بن عبد الرحمن ; أن أبا هريرة صلى لهم حين استخلفه مروان على المدينة ، فكبر حين قام إلى الصلاة ، وحين ركع ، [ ص: 116 ] وحين رفع رأسه ، وحين يهوي ساجدا ، وحين يقوم من اثنتين ، وبين السجدتين . ثم قال : والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        4361 - وقد ذكرنا هذا الحديث عن الزهري باختلاف أصحابه عليه في إسناده ، وألفاظه في التمهيد .

                                                                                                                        4362 - وهو حديث ثابت من رواية مالك وغيره عن الزهري . ولم يختلف في معناه : أن أبا هريرة كان يكبر بهم في كل خفض ورفع ، ويقول لهم : هذه صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كما قال ابن عباس : سنة أبي القاسم .

                                                                                                                        4363 - وهذا كله يدل على أن التكبير في الخفض والرفع لم يكن مستعملا عندهم ، ولا ظاهرا فيهم ، ولا مشهورا من فعلهم في صلاتهم . ولو كان ذلك ما كان أبو هريرة يفعله ، ويقول : إنه أشبههم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا أنكر عكرمة على الشيخ ما قال له ابن عباس فيه : إنه السنة ، ولا قال عمران بن حسين في مثل ذلك من صلاة علي : لقد أذكرني هذا صلاة محمد - عليه السلام - .

                                                                                                                        [ ص: 117 ] 4364 - ومثل هذا وأبين حديث أبي إسحاق السبيعي عن يزيد بن أبي مريم ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : صلى بنا علي يوم الجمل صلاة أذكرنا بها صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; كان يكبر في كل خفض ، ورفع ، وقيام ، وقعود ، قال أبو موسى : فإما نسيناها وإما تركناها عمدا .

                                                                                                                        4365 - وروى الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير ، قال : حدثني أبو سلمة ، قال : رأيت أبا هريرة يكبر هذا التكبير الذي ترك الناس ، قال : فقلت : يا أبا هريرة ، ما هذا التكبير ؟ فقال : إنها لصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        4366 - وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث كلها في التمهيد .

                                                                                                                        4367 - وهذا يدلك على أن التكبير في غير الإحرام لم ينقله السلف من الصحابة والتابعين على الوجوب ، ولا على أنه من مؤكدات السنن ، بل قد قال قوم من أهل العلم : إن التكبير إنما هو إذن بحركات الإمام ، وشعار الصلاة ، وليس بسنة إلا في الجماعة . وأما من صلى وحده فلا بأس عليه ألا يكبر .

                                                                                                                        4368 - ولهذا ما ذكر مالك في هذا الباب حديثه عن ابن شهاب ، عن علي بن حسين ، وعن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مرفوعين ، وعن ابن عمر وجابر فعلهما - ليبين بذلك أن التكبير في كل خفض ورفع سنة مسنونة ، وإن لم يعمل بها إلا بعض الصحابة ; فالحجة في السنة لا فيما خالفها .

                                                                                                                        [ ص: 118 ] 4369 - ومما يدلك على ما وصفنا ما ذكره ابن أبي ذئب في موطئه عن سعيد بن سمعان ، عن أبي هريرة أنه قال : ثلاث كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعلهن ، تركهن الناس ; كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدا ، وكان يقف قبل القراءة هنية [ ص: 119 ] يسأل الله من فضله ، وكان يكبر كلما خفض ورفع .

                                                                                                                        4370 - وروى أبو إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه ، وعلقمة عن عبد الله بن مسعود ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر في كل ركوع ، وسجود ، وخفض ، ورفع .

                                                                                                                        4371 - وقد ذكرنا إسناده في التمهيد .

                                                                                                                        4372 - وقد روي عن النبي - عليه السلام - حديث ليس في الاشتهار ، ولا في الصحة - كأحاديث مالك في هذا الباب . ورواه شعبة بن الحجاج عن الحسن بن عمران ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ، قال : صليت مع النبي - عليه السلام - فلم يتم التكبير ، وصليت مع عمر بن عبد العزيز فلم يتم التكبير .

                                                                                                                        4373 - وقال إسحاق بن منصور : سمعت أحمد بن حنبل يقول : يروى عن ابن عمر أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده . قال : وكان قتادة يكبر إذا صلى وحده . قال أحمد : وأحب إلي أن يكبر من صلى وحده في الفرض ، وأما التطوع فلا .

                                                                                                                        4374 - قال : وقلت لأحمد : ما الذي نقصوا من التكبير ؟ قال : إذا انحط إلى السجود من الركوع ، وإذا أراد أن يسجد السجدة الثانية من كل ركعة .

                                                                                                                        4375 - قال أبو عمر : ما رواه مالك عن ابن شهاب ، عن سالم بن [ ص: 120 ] عبد الله بن عمر أن أباه كان يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع - يرد ما حكى عنه أحمد بن حنبل ، إلا أن يحمل على المجمل والمفسر ، فيكون حديث مالك إذا صلى إماما أو مأموما ، ويكون معنى ما حكى عنه أحمد إذا صلى وحده .

                                                                                                                        4376 - وقد روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار ، عن عون بن عبد الله ، قال : قال لي عمر بن عبد العزيز : أرضي كان عندك عمر وابنه ؟ فإنهما كانا لا يكبران هذا التكبير في الخفض والرفع .

                                                                                                                        4377 - وسفيان عن عمرو بن دينار ، قال : قال لي أبو الشعثاء يا عمرو ، صليت خلف ابن عباس بالبصرة ، فلم يكبر هذا التكبير .




                                                                                                                        الخدمات العلمية