الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            [ ص: 183 ] الحقيقة والمجاز ص - ( مسألة ) : الحقيقة : اللفظ المستعمل في وضع أول .

            التالي السابق


            ش - المسألة الأولى في حدي الحقيقة والمجاز وأقسامهما وشرائطهما . وفي المجاز هل يستلزم الحقيقة أم لا ؟ وابتدأ بحد الحقيقة .

            اعلم أن الحقيقة فعيلة من الحق ، إما بمعنى الفاعل ، كالعليم ، فلا يستوي فيها المذكر والمؤنث ، فيكون تاء التأنيث فيه جارية على القياس ، ويكون معناها : الثابتة .

            وإما بمعنى المفعول ، كالجريح فيستوي فيها المذكر والمؤنث ، فيكون التاء لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية ; لأنه لا حاجة إلى علامة التأنيث حينئذ ، ويكون معناها : المثبتة .

            ثم نقلت إلى الاعتقاد المطابق للواقع ; لكونه مثبتا أو ثابتا في نفس الأمر . ثم نقلت من الاعتقاد إلى القول المطابق ; لكون مدلوله مثبتا أو ثابتا أيضا . ثم نقل من القول إلى ما ذكره المصنف ، وهي : اللفظ المستعمل في وضع أول .

            [ ص: 184 ] فهي منقولة في المرتبة الثالثة . وقوله : " اللفظ " كالجنس ، يتناول الحقيقة وغيرها . وقوله : " المستعمل " يخرج عنه : اللفظ في ابتداء الوضع ; فإن اللفظ في ابتداء الوضع لا يكون حقيقة ولا مجازا .

            وقوله : " في وضع " أي فيما وضع له . وفيه تساهل ، يتناول ما وضع له لغة ، وعرفا ، وشرعا ، والمفهوم المجازي لأنه يصدق على كل منها أنه موضوع له .

            ويخرج عنه : الألفاظ المهملة .

            وقوله : " أولا " يخرج المجاز ; فإنه لفظ مستعمل في غير ما وضع له أولا .

            فإن قيل : هذا الحد غير جامع ; ضرورة خروج الحقيقة الشرعية والعرفية ; لأنها لم تستعمل فيما وضع له أولا ; ضرورة كونها منقولة ، والنقل يستلزم وضعا ثانيا .

            أجيب بأن المراد بالوضع الأول ، ما يكون أولا بالنسبة إلى الاصطلاح الذي وقع به التخاطب ، لا ما يكون أولا باعتبار اللغة ; فإن الوضع الأول أعم من الوضع باعتبار اللغة .

            فحينئذ تكون الألفاظ المنقولة الشرعية أو العرفية بالوضع الأول باصطلاح الشرع والعرف ، وإن كان بالوضع الثاني باعتبار اللغة .

            مثلا : الصلاة إذا استعملت في ذات الأركان ، كان استعمالها فيها باصطلاح أهل الشرع استعمالا في وضع أول ، وباصطلاح أهل اللغة استعمالا في وضع ثان . [ ص: 185 ] وإذا استعملت في الدعاء فبالعكس . وما قيل : إن في الحد نظرا ; لأن الأول من الأمور الإضافية التي لا يعقل إلا بالنسبة إلى شيئين ، وحينئذ يكون حد الحقيقة مستلزما للمجاز ، ليس بشيء . لأن الأول على تقدير أن يكون إضافيا لا يستلزم إلا الوضع الثاني ، وهو جزء من مفهوم المجاز إن اعتبر الوضع الثاني في المجاز ، ولا امتناع في ذلك ; لجواز أن يعتبر في حد الشيء جزء مقابله .




            الخدمات العلمية